سعى الفرس للتحالف مع أسرة "هابسبورغ"

لوضع الشرق العربي بين فكَّي كماشة

لم يسجِّل تاريخ العلاقات الدولية يومًا أنْ تحالَفَ الصفويون مع المسلمين ضد الغرب الصليبي، ولم نجد بين صفحات الكتب آثارًا يمكن أن تُحيل على الطبيعة الإسلامية للنظام الصفوي في إيران، في حين هناك مئات القرائن التي تقطع بأن إيران كانت في قلب الإستراتيجيات التي كانت تريد إخضاع العرب والإسلام والمسلمين لأجندات إمبريالية اجتهدت إيران في تنزيلها، ولو على حساب الزهد في بعض مصالحها الإستراتيجية.

ولعل الإرهاصات الأولى في عصر الدولة الصفوية التي بحثت عن حليف موضوعي قد يساعدها في أية مواجهة مرتقَبة مع الشرق، وبالتالي وضع المنطقة العربية بين فكَّي الكماشة الفارسية الصليبية، ويبدو أن الأطماع الفارسية تجاه الشرق وولاء القزلباش للشاه الصفوي قد شكَّلَت حطبًا للصدام الذي لن ينجح إلا بتحالفهم مع الغرب الصليبي.

في هذا السياق كانت البندقية هي أول قوة أوروبية لفتت انتباه الشاه إسماعيل الصفوي للتحالف معها؛ لكون أسطولها كان من أقوى الأساطيل في البحر المتوسط، غير أن الحرب التي كان يقودها البنادقة ضد البابا يوليوس الثاني، بالإضافة إلى معاهدة الصلح التي كانت تربطهم بالعثمانيين منذ سنة 1502م جعلتهم يعتذرون عن تلبية طلب الفرس.

إن العارف بتاريخ العلاقات الدبلوماسية للفرس وطبيعة بنيتهم السلوكية يعلم بأن إيران تتحاشى (في الغالب) المواجهات المباشرة، سواءٌ مع العرب والمسلمين أو غيرهم، وبالتالي يتم اللجوء إلى تحالفات موضوعية (وفي بعض الأحيان هجينة) من أجل تشبيك المواجهة مع العرب والمسلمين، وضمان تفوق سياسي ودبلوماسي وعسكري، والعمل أيضًا على تشتيت جبهات المواجهة مع “العدو العربي الوجودي”، وهي الإستراتيجية التي أعطت نتائج مهمة جعلت الفرس يعتبرونها توجهًا ثابتًا في رسمهم الإستراتيجي.

آمَنَت إيران ألّا طريق لها في اختراق العالم العربي إلا من خلال التحالف الغربي.

لقد اجتهد الفرس في التنسيق مع الدول التي تحمل عداءً قويًّا ضد الشرق المسلم، ولم يقف الفرس عند هذا الحد، بل جعلوا يبعثون الرسل للتنبيه إلى ضرورة وحدة الصف المسيحي، وعبَّر الشاه إسماعيل الصفوي عن “دهشته من أن ملوك أوروبا المسيحيين يخوضون حربًا فيما بينهم بدلًا من الاتحاد”.

لذا اتفق الطرف الفارسي والهابسبورغي على التحالف ضد العدو المشترك، غير أن إجراءات هذا التحالف لم تكتمل، خصوصًا بعد وفاة إسماعيل باشا صفوي سنة (1524)، إلا أن آل هابسبورغ عادوا لمراسلة الفرس على أمل التحالف ضد الشرق، وهو ما وافق عليه الشاه طهماسب، غير أن سوء التنسيق بين الطرفين أفشل هذا التحالف.

وتجدر الإشارة إلى أن الفرس قد انتبهوا إلى إمكانية استثارة العامة من خلال تحالفهم مع الغرب الصليبي “الكافر”، فبادروا، كعادتهم، إلى محاولة شرعنة هذا التحالف باللجوء إلى أحد مراجعهم الدينية، بقصد إيجاد المرتكز الديني لهذا التحالف الهجين سياسيًّا، والمرفوض دينيًّا وأخلاقيًّا، ويبدو أن الفرس وجدوا ضالَّتهم في المرجع علي الكركري العاملي، الذي أصدر فتوى شرعية تُؤصِّل هذا التحالف.

إن الحقد الفارسي على كل ما هو عربي وإسلامي جعلهم يستدرجون الغرب إلى محيطهم الحيوي، وهو ما وقع مع البرتغال، التي سيطرت لعقود على مضيق هرمز ومناطق في شبه الجزيرة العربية، ولعل النجاح النسبي للتحالف الصفوي البرتغالي انفرط عِقدُه بعد خسارة الفرس لعدة معارك في الشرق، وانسحاب البرتغاليين من الخليج العربي بعدما واجهوا مقاومة ضارية في عُمان.

  1. باسم حمزة عباس، “إيران في عهد الشاه طهماسب الأول الصفوي 1524م-1576م”، مجلة الخليج العربي، المجلد (40)، ع 1، 2 (2012).

 

  1. خالد الشنتوت، خطر الصفوية على بلاد الشام، كتاب منشور على موقع خالد الشنتوت (2013).

 

  1. سمير عبد الرزاق عبد الله، محاولات التحالف الصفوي-الأوروبي ضد الدولة العثمانية 1508-1530م، حوليات آداب عين شمس، المجلد 45، عدد يزليز-سبتمبر (2017).

 

  1. صلاح المختار، صراع الهويات القومية (لندن: كتب، 2020).

 

  1. عبد العزيز نوار، تاريخ الشعوب الإسلامية في العصر الحديث (القاهرة: دار النهضة العربية، 1998).