تختلف السياسات وتتَّفق الأحقاد

تعترف الحكومة العثمانية بصورة رسمية بسيادة الحكومة الفارسية التامة على مدينة المحمرة ومينائها، وجزيرة الخضر (عبادان) ومرساها، والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية – أي الضفة اليسرى- من شطِّ العرب التي تحت تصرُّف عشائر معترَف بأنها تابعة لفارس، فضلًا عن ذلك يحق للسفن الفارسية الملاحة في النهر المذكور بكامل الحرية من محل مصبِّ شطِّ العرب في البحر إلى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين.

شط العرب اتفاق واختلاف …..

في عام 1937م تم توقيع أول معاهدة بين إيران والدولة العراقية الحديثة لترسيم الحدود بين البلدين، استندت إلى المعاهدات السابقة بين الدولتين العثمانية والفارسية.

ويرجع أول تحديد للحدود بين العراق وإيران إلى زمن بعيد يسبق حتى معاهدة ويستفاليا التي وضعت أُسُس القانون الدولي عام 1648م عندما وُقِّعت اتفاقية عثمانية فارسية باسم معاهدة “زوهاب” في 17 مايو/ أيار عام 1639م، وهي معاهدة السلام وترسيم الحدود بين الدولتين العثمانية والفارسية.

سبقت تلك المعاهدة معاهدة أخرى بين الدولتين كانت معاهدةً عسكرية لوقف القتال بين الجانبَين، عُرِفت باسم معاهدة “أماسيا” عام 1555م.

ثم بدأ الاهتمام بالحدود في منطقة شط العرب في أربعينيات القرن التاسع عشر، مع تزايُد نفوذ شيخ المحمرة في هذه المنطقة في تلك المنطقة، وتنازُع العثمانيين والفرس على السيادة على هذه المناطق التي تسكنها عشائر عربية.

ولقد حددت اتفاقية أرضروم الثانية التي وُقِّعَت في 31 مايو/ أيار 1847م بين الحكومتين العثمانية والفارسية -بتوسُّط من القوى الكبرى في حينها بريطانيا وروسيا- لأول مرة الحدودَ في شط العرب، التي وُصِفَت في عبارات عامة دون تحديد دقيق.

وعندما تنازلت الحكومة الفارسية للحكومة العثمانية -التركية- عن مطالبتها بمدينة السليمانية إلى جانب جميع الأراضي المنخفضة – أي الأراضي الكائنة في القسم الغربي من منطقة الزاب- كان ذلك مقابل سيادتها على مناطق المحمرة والضفة الشرقية من النهر.

في تلك الاتفاقية لف الغموض فقرة تخُصُّ شط العرب، وقد كانت تحت تصرف عشائر مُعترَف بتبعيتها لفارس، فضلًا عن ذلك يحق للسفن الفارسية الملاحة في النهر المذكور بكامل الحرية من محل مصب شط العرب في البحر إلى نقطة اتصال الحدود بين الجانبين.

فهل هو عربي أم فارسي تركي؟؟؟

ظل الخلاف قائمًا بين الممثلَين التركي والفارسي في لجنة المعاهدة على تفسير الفقرة الثانية، حتى اضطر ممثل بريطانيا في اللجنة الكولونيل وليامز عام 1850 إلى رسم خط للحدود يعكس بأقصى دقة ممكنة ما أشارت إليه هذه الفقرة، وقد رسم خط الحدود على امتداد الضفة الشرقية لشط العرب من نقطة اتصاله مع قناة “الجديدة” في الشمال حتى مياه الخليج العربي في الجنوب.

وظل الخلاف قائمًا بين الحكومتين حتى نهاية العام التالي، حيث أقرَّا باحترام خط الحدود الذي رسمه الكولونيل وليامز على أُسُس مؤقتة، مع الحفاظ على الوضع القائم.

لم تمنع المعاهدة وغيرها من الاتفاقيات اندلاعَ حروب واحتكاكات وتجاوزات مختلفة بين الجانبين حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 1911م، وظهرت فرصة توسطت من خلالها بريطانيا وروسيا القيصرية بعد تدهور العلاقات بين الفرس والعثمانيين من جديد، ونجحتَا في عقد اتفاق جديد عُرف باسم اتفاق طهران، نصَّ على تشكيل لجنة مشتركة تضم بريطانيا وروسيا القيصرية إلى جانب البلدين، لبحث الخلاف الحدودي بينهما.

بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921م تحت الانتداب البريطاني رفضت الدولة الفارسية الاعتراف بها لثمانية أعوام، وكانت إيران في تلك المرحلة تمر أيضًا بحالة تحوُّل سياسي؛ إذ قام رضا شاه بهلوي -الذي كان قائدًا لفرقة القوزاق الفارسية في عهد دولة القاجاريين، ووزيرًا للدفاع- بحل الحكومة، وتعيين نفسه رئيسًا للوزراء حتى عام 1925م، حيث خلع آخر شاهات القاجاريين، وأعلن نفسه شاهًا جديدًا، وعلى رأس سلالة جديدة حكمت إيران هي السلالة البهلوية.

وفي عام 1932م زار ملك العراق آنذاك فيصل فارس -برفقة رئيس وزرائه نوري السعيد- إيران، وصدر بيان عن الزيارة يدعو إلى التفاوض لحل الخلافات الحدودية بين البلدين.

وفي 18 تموز عام 1937 عُقِدَت أول معاهدة صداقة بين العراق وإيران، وتحوَّل اسم فارس إلى إيران عام 1934م، وأعقبها توقيع اتفاقية أخرى لحل الخلافات بين الجانبين بالطرق السلمية.

وتستمر العلاقات السُّمِّية المغلَّفة بأحقاد القومية ضد العرب.