ارتبط تلميع صورة العثمانيين

بالمؤرخين المحسوبين على تنظيم "الإخوان" الإرهابي

سعت تنظيمات الإسلام السياسي إلى تبني تكتيكات الانتشار الجماهيري والاختراق المؤسساتي في الداخل العربي، مع محاولات نسج تحالفات مع قوًى إقليمية من أجل ضمان الدعم السياسي والمالي والإعلامي، وأيضًا ضمان قاعدة خلفية في حالة المواجهة (الحتمية) مع الدول، خاصة على مستوى حسم السلطة السياسية.

في هذا السياق، وجد أنصار الإسلام السياسي في الدول “الإسلامية” الأعجمية ضالَّتهم من خلال البحث عن تحالفات قد تمكنهم من الوصول إلى السلطة في بعض الدول العربية، وهي تعلم أنها قادرة بعد ذلك أن تفرض مشروعها السياسي، في ظل افتقار القوى “الأعجمية” لأحد أهم مرتكزات الخلافة، والمتمثلة في اللغة العربية.

وارتباطًا بنقطة البحث، تبنَّى التيار الإخواني الإرهابي الدفاع عن التاريخ العثماني، ومحاولة تجميله أو حتى تزييفه، في مقابل الاستفادة من الحاضنة التركية ودعمها المالي والسياسي وحتى الإعلامي.

ويؤكد أصحاب هذا التيار أن السلطان عبد الحميد الثاني (محبوب الإخوان) “سار على سياسة إسلامية إبان حكمه، وكان الدافع لهذه السياسة الإسلامية يرمي إلى تقوية مركز عبد الحميد في داخل الدولة العثمانية وخارجها… بإبراز السمات الدينية لمنصبه وإحياء الخلافة الإسلامية وتقويتها بشخصه كزعيم لكل المسلمين”.

استمات أصحاب تيار الإسلام السياسي في الدفاع عن صورة العثمانيين وتقديمهم باعتبارهم الممثلين الشرعيين للأمة. وهنا تحمَّس أحد المنافحين عنهم إلى حد القول بأنه كان “يكفي أن يعلن الخليفة الجهاد، حتى يهب العالم الإسلامي على قلب رجل واحد بسبب وحدة العقيدة والهدف والتماسك الوجداني، والخضوع لأمر رجل واحد هو الخليفة؛ لعلمهم أنه يمثل الخلافة الإسلامية”.

وهنا يمكن رصد ملاحظتين أساسيتين، الأولى هي ارتباط تلميع صورة العثمانيين وتاريخهم مع المؤرخين المحسوبين على التيار الإخواني الذين عاصر معظمهم صعود نجم الإسلام السياسي في تركيا، والثانية مرتبطة بالتركيز على صورة السلطان عبد الحميد الثاني، الذي يرى فيه بعض المؤرخين الموضوعيين المسؤول عن انفراط عقد مجموعة من المناطق العربية بسبب، إما تبعات نظام الامتيازات، أو مساهمته شخصيًّا في سقوطها في مقابل الاحتفاظ بمركز ثقل الحكم التركي في الأناضول.

إذا كان هناك إجماع على أن السياسات العثمانية هي السبب الأول في انفراط عقد السلطنة، بدءًا من نظام الملل والامتيازات، ووصولًا إلى تهميش محيط الدولة، وخاصة المناطق العربية، فإن البعض أراد تحميل مسؤولية انفراط عقد الدولة العثمانية إلى الشعوب العربية نفسها، التي انتفضت ضد التهميش والقمع الممنهج ضد هذه الشعوب، التي لم يكن لها حظ في تسيير شؤون الدولة، اللهم إلا استفادتها من شكل موسع من الحكم الذاتي تحت السيادة العثمانية.

ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الغرب استغل العرب، وقام باستخدامهم “كأحد وسائل الضغط عليها، وبالتالي قام الغرب بتنمية القومية العربية لتواجه الدولة العثمانية، وتكون طعنةً في ظهرها أثناء الحرب… وكانت الشعوب العربية لا تدرك طبيعة المخطط لها، وهو ببساطة استبدال حكم الدولة العثمانية باحتلال إنجليزي أو فرنسي للدول العربية التابعة لها”.

لقد نهجت أقلام مجموعة من “الإسلاميين” توجهًا براغماتيًّا في تعاملها مع التاريخ العثماني، فركزت على بعض نقاط الضوء، وجعلت منها سلوكًا ثابتًا في السياسة العثمانية، لكنها صمتت صمت القبور على مجموعة من الجرائم التي تورطت فيها الدولة العثمانية في حق العرب والمسلمين، أو مرت عليها مرور اليتيم بقوم، ولربما حاولت تبريرها وتقعيدها من الناحية الشرعية من خلال لَيِّ أعناق النصوص القرآنية أو الشريفية.

تعامل "الإخوان" مع تاريخ الدولة العثمانية بطريقة براغماتية واضحة.

وهنا نجد أحد هذه الأقلام يرفع الدولة العثمانية إلى منصب الخلافة التي لا تضاهيها ولا تفوقها إلا خلافة القرن الأول من صدر الإسلام، باعتبار الدور الذي يزعم أنها قامت به “في نشر الإسلام وحماية الديار الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية ومبادئها من عدل ومساواة ورحمة وتسامح وأخوة وتعاون وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعمَّ الرخاء أرجاء الخلافة العثمانية فكانت خلال خمسة قرون حصن الدفاع والحماية للمسلمين والعرب”.

ويمكن القول بأن أتباع هذا التيار قد غالوا في تمجيد تاريخ آل عثمان، في محاولة منهم لكتابة تاريخ بقياسات تُرضي الحلفاء الجدد، ولو على حساب الأمانة العلمية والمنهجية التاريخية.

وعلى الجهة المقابلة، رأى بعض المنصفين أن “سلاطين آل عثمان، -سواء حدث لهم تنازل عن الخلافة، أم لم يحدث، فإنهم لم يتمسكوا بها إلا في أواخر عهد سلطنتهم، حينما رأوا أن الظروف الدولية تحتم عليهم التمسك بالخلافة كسلطة روحية”.

إجمالاً، فإن ما يطمئن إليه الباحث أن العثمانيين احترفوا الدين تاريخيًّا لخدمة أهدافهم السياسة، واستغلوا العرب حطبًا لمشاريعهم التوسعية بعيدًا عن الانضباط لصريح النص الديني، وهو ما يؤكده تشبثهم وتقديسهم للعرق على حساب وحدة الملة والدين، وهو ما جعلهم يفشلون في تجسيد روح الخلافة الإسلامية.

  1. إسماعيل ياغي، الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث (الرياض: مكتبة العبيكان، 1996).

 

  1. مصطفى حلمي، الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية (بيروت: دار الكتب العلمية، 2006).

 

  1. محمد عرموش، موجز تاريخ مصر من العصر الفرعوني إلى العصر الجمهوري (2021).

 

  1. جابر سعيد “المسلمون في ميزان الحضارة الإسلامية”، سنة النشر غير مذكورة، ص 297.

 

  1. عبد الرحيم عبد الرحمن، الدولة العثمانية (بيروت: دار الفكر العربي، 2018).