استعلاء سياسي بثياب العقيدة
المحاولات الفارسية للفتك بالعرب، وهدم كياناتهم السياسية عبر التاريخ الإسلامي كثيرة، ومتنوعة وتَتَوالى لاستكمال مخططاتهم السياسية العقدية، ومن ذلك مؤامرات وحركات «أستاذ سيس» سنة 136هـ، و«بابك الخرمي» سنة 202هـ، و«الأفشين» سنة 224هـ، و«مرداويخ» سنة 322هـ.
وصولاً إلى العصر الحديث والمعاصر، تعد إيران نفسها بعد الثورة الخمينية الوريث الشرعي لإمبراطورية الفرس، ولذلك فهي تعتبر دول الخليج امتدادًا لمناطق النفوذ الفارسي الذي لا بد من استرجاعه. وقد ظهرت في إيران بعد الثورة الزعامات المتسلطة ذات الأصول الفارسية، فظلت محتفظة بالتوجهات العدائية للعرب.
وقد نقلت الدراسات نتائج للهيمنة الإيرانية تذكر بأن شعب إيران ليس كله من الفرس فهم لا يشكلون أكثر من 50% من مجموع عرقيات الشعب الإيراني، الذي يبلغ تعداده 78 مليون نسمة، ومع ذلك يهيمن الفرس على جميع ذلك الشعب الذي يمثل الأتراك فيه 23% والأكراد 11% والعرب 5% إضافة إلى البلوش والتركمانستان الذين يشكلون مع بقية الأعراق 6% من شعب إيران. الحكومة الإيرانية تتصرف وكأن الشعب الإيراني كله فارسي، وبالروح نفسها تتعامل إيران مع الشعوب المجاورة بمنطق الهيمنة الفارسية ولو كانت تلك الشعوب عربية. إلا أنه استعلاء لا محدود.
ذكر الدكتور علي الوردي في كتابه: “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث” أن الصفويين بعد أن استولوا على السلطة عام 907هــ، حيث أجبروا المجتمع على التوجيه المذهبي بالقهر والإرهاب والقتل، وذكر بعض المؤرخين أيضاً أن الصفويين قتلوا نحو مليون ممن رفضوا الإجبار على التغيير المذهبي، وتلك هي محاكم التفتيش في الشرق استقاها الفرس.
ويبدو أن الإيرانيين في العصر الحديث، لم يعودوا محتاجين إلى مبدأ التقية للتغطية على أطماعهم في المنطقة العربية؛ فقد أدلى اللواء محسن رضائي -وهو قائد سابق للحرس الجمهوري الإيراني، والذي تولى بعد ذلك منصب رئيس مصلحة تشخيص النظام- بتصريح قال فيه: “عندما أتحدث عن الإقليم فهذا يعني جنوب غرب آسيا، وتركيزنا على هذه المنطقة بالتحديد لاعتقادنا أن لها قدرات كبيرة تتجاوز منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على هذه المنطقة يوفر لإيران إمكانات كبيرة جدًّا للحفاظ على أمنها القومي”.
إن من أهداف الاستعلاء الفارسي جوانب اقتصادية وإعلامية وثقافية غير السياسية والدينية، وفي العموم كلها تسير وفق مخططات المذهبية العدائية، وهو مشروع مشبع يغذيه إرث الثورات العقدية الدينية الباطلة، ويحمل جرائمه التاريخية ظاهراً وباطناً، ومن أعمالهم المركزية وعمل دؤوب غير نزيه، الإكثار من إنشاء الحوزات العلمية المرتبطة بالمؤسسة الدينية الإيرانية، مع التوسع في الأنشطة الخيرية الشاملة بغرض تمكين فكرهم العدائي.
يبقى التعجب من محاولاتهم البائسة في استدعاء التاريخ فهو ليس في جانبهم، ولن يخدمهم بل سيسحب فكرهم إلى وحل الظلام أكثر.