الأحاديث النبوية

في فتح القسطنطينية: تفسيرات وتأويلات متناقضة

عندما تغيب العقول عن التفكير ويجتاحها تيار العواطف المتأثر بالمشاهد الدرامية التاريخية، تختفي الحقيقة. وهذا ما حصل في قصة فتح القسطنطينية التي تم تجسيدها في عمل تركي تاريخي بعنوان “مسلسل الفاتح – قصة عشق”. كانت الحلقة السادسة منه هي الأخيرة، حيث أرجعت الصحافة التركية توقف إنتاج المسلسل إلى توقعات الشركة المنتجة والقناة العارضة بزيادة نسبة المشاهدة، لكن تلك التوقعات لم تتحقق مما أدى إلى فشل المسلسل ووقف إنتاجه.

إن فتح القسطنطينية كان حلمًا يراود خلفاء المسلمين وسلاطينهم عبر القرون. ويصف المؤرخ المصري ابن تغري بردي، المتوفى عام 874هـ، في كتابه “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”، أصداء هذا الفتح بين عامة المسلمين وخاصتهم. فقد كتب أن السلطان والشعب في القاهرة ابتهجوا بهذا الفتح العظيم، ودُقت البشائر وزينت المدينة أيامًا عديدة، وأمعنت الناس في الاحتفال بتزيين الحوانيت والأماكن.

في الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة 857هـ، الموافق 29 مايو 1453م، تمكنت الجيوش العثمانية من السيطرة على مدينة القسطنطينية. دخل السلطان محمد الثاني المدينة على رأس قواته، وتوجه مباشرة إلى كنيسة آيا صوفيا، معلنًا أن المسلمين قد نجحوا أخيرًا في إسقاط أهم معاقل المسيحية الأرثوذكسية. وقد حاولت بعض الحركات الإسلامية السياسية استغلال هذا الحدث التاريخي المهم عبر تجسيده في مسلسل درامي يهدف إلى استدرار عواطف المشاهدين، وذلك من خلال إسقاط الأحاديث النبوية الشريفة على شخصية السلطان محمد الثاني.

وقد وردت عدة روايات وأحاديث نبوية تتناول موضوع فتح القسطنطينية. أشهرها ثلاث روايات: الأولى نقلها الحاكم النيسابوري في كتابه “المستدرك على الصحيحين” عن عبد الله بن عمرو بن العاص، حيث سأل الصحابة الرسول عن أي المدينتين تفتح أولاً، فأجابهم النبي بأنها القسطنطينية. الرواية الثانية وردت في صحيح البخاري عن أم حرام بنت ملحان، حيث قالت إن النبي بشر بأن أول جيش من أمته يغزو مدينة قيصر مغفور لهم. أما الرواية الثالثة، التي تعد الأشهر، فقد نقلها أحمد بن حنبل في مسنده عن بشر بن ربيعة الخثعمي، حيث قال النبي: “لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ”. وهناك رواية رابعة وردت في صحيح مسلم عن أبي هريرة، تتحدث عن فتح مدينة ذات جانب في البر وآخر في البحر، ما دفع بعض العلماء إلى تفسيرها بأنها تشير إلى القسطنطينية.

ولقد كانت هناك محاولات عديدة لفتح القسطنطينية منذ عهد الدولة الأموية، حيث تعتبر هذه الروايات والشواهد التاريخية كثيرة ومؤثرة. وقد اعتبر العديد من المؤرخين الموالين للدولة العثمانية أن السلطان محمد الثاني هو الأمير الذي بشر به النبي. ويقول علي محمد الصلابي، في أحد كتبه، أن الشيخ آق شمس الدين لعب دورًا مهمًا في تهيئة السلطان محمد لفتح القسطنطينية، حيث أشار إلى أن الشيخ كان يوحي للسلطان منذ صغره بأنه الأمير المقصود في الحديث النبوي.

الشيخ آق شمس الدين ومحمد الفاتح: دور محدود وادعاءات مغلوطة.

ولكن الواقع التاريخي يشير إلى أن الشيخ شمس الدين لم يلتق بالسلطان إلا قبل فترة قصيرة من تحرك الجيش لغزو القسطنطينية، وفقًا لأرجح الأقوال. وعلى الرغم من ذلك، تعرض حديث فتح القسطنطينية لتضعيف من قبل مجموعة من العلماء المعاصرين مثل الشيخ أحمد شاكر وناصر الدين الألباني وشعيب الأرناؤوط، بل إن الألباني ذكر بأنه حديثٌ لا يصح. ويشير هؤلاء العلماء إلى أن الأحاديث الصحيحة حول فتح القسطنطينية تتحدث عن فتح “خاص” سيقع في آخر الزمان، ويعقبه ظهور المسيح الدجال، كما ورد عن أنس بن مالك في رواية الترمذي.

  1. https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2018/04/22/

 

  1. حاتم عبد الرحمن الطحاوي: “تاريخ مساجد المسلمين في إسطنبول قبل الفتح العثماني”، (صحيفة إلكترونية ثقافية، تصدر عن مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي 13/12/2020 https://hafryat.com/ar/blog)

 

  1. علي محمد محمد الصلابي: الدَّولة العُثمانية عَوَامِل النهوض وأسباب السقوط،(القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001م)

 

  1. محمد عبد الرحمن: “من هم “الجهاردية” وما علاقتهم بـ العثمانيين؟.. طائفة شيعية ابتكرت لعبة “الطاولة” ويؤمنون بحلول الله فى الجميلات.. استدعاهم محمد الفاتح لفتح القسطنطينية.. وأسطورة توراتية وراء دفعهم “سليم الأول” لاحتلال مصر” https://www.youm7.com/story/2019/12/15

 

  1. محمد يسري: https://www.irfaasawtak.com/history/2022/08/11

 

  1. يوسف بن تغري بردي الحنفي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (القاهرة : وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب).