(العُقد النفسية المؤثرة في بعض الشعوب)

لقد ميَّز الله عز وجل العرب دون غيرهم من شعوب الأرض، واختار منهم خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك قول النبي عليه الصلاة والسلام: “ما بالُ أقوال تَبلغُني عن أقوامٍ! إنَّ الله – تبارك وتعالى – خَلَق السماواتِ، فاختار العُليا فأسكنها مَن شاء مِن خَلْقه، ثم خَلَق الخَلْق، فاختار مِن الخلْق بني آدم، واختار مِن بني آدم العَرَبَ، واختار مِن العرب مُضرَ، واختار مِن مُضر قريشًا، واختار مِن قريش بني هاشم، فأنا مِن بني هاشم، مِن خيارٍ إلى خيارٍ، فمَن أحبَّ العربَ فبحُبِّي أحبَّهم، ومَن أبغض العربَ فببُغْضني أبغضَهم”، فلقد شاءتْ إرادتُه – سبحانه – أن يختارَ مِن بني آدم أُمَّةَ العرَب، فيَجعلهم خيرَ أمَّة أُخْرِجَتْ للناس، فهذا الاختيار رباني، ليس للعرب لهم فيه تدخل أو إرادة، فهي مشيئة الله عز وجل في اختيار من يشاء ويمنع من يشاء، ولكن عندما تنقلب هذه الخيرية التي مُنِحت للعرب عقدةً نفسية لبعض شعوب الأرض!! فهذا أمر ليس له مبرِّر لمن دخل قلبه الايمان بصدق ويقين، وابتعد عن حظوظ النفس والهوى واتِّباع الشيطان، فأمة العرب كان لها شرف حمل رسالة التوحيد ونَشْره بين شعوب العالم التي كانت تعيش في بحور من عبادة غير الله والشرك به سبحانه. 

ومن تلك الشعوب الفُرس الذين كان للفتح الإسلامي لبلاد فارس أثره العميق في النفسية والعقلية الفارسية المجوسية، والذي بدوره شكَّل عُقدة نفسيَّة مؤلمةٍ هي ” المجدُ الخالد للفرس”، فالفرس حتى ذلك التاريخ كانوا يعتبرون أنفسهم سادة العالم، وارتبط في العقلية الفارسية منذ القِدَم الرغبة في السيطرة، بل التفرد بها، ونفوذها السياسي يسيطر على أراضي إيران، والعراق، وشرق الخليج العربي، واليمن، وقد خلق ذلك للفرس ما يمكن تسميته بالنظرة الاستعلائية على كل الشعوب وفيهم العرب، ولعل تَخْت جمشيد في إيران يصوِّر حالة الاستعلائية التي عاشها الفرس خلال حكم الإمبراطورية الساسانية، والتي لا زالت تعشِّش في العقليات الفارسية حتى يومنا هذا، ونحن هنا لسنا ضد المحافظة على تاريخ الأمم أو الشعوب، والاعتزاز بتاريخها وآثارها البعيدة، وإنما الاعتراض على من يُسَوِّق ذلك التاريخ لاحتقار الشعوب الأخرى، والتقليل من مكانتها وتاريخها وحضارتها، ومشاركتها في بناء الحضارة الإنسانية، فمتى يخلع الفرس عنهم ذلك الطوق الباهت.

ويبدو  للأسف أن هذه العدوى قد انتقلت إلى الترك متأخِّرة، فعند عقد مقارنة سريعة بينهما نجد أن نزعة العداء للعرب والاستعلاء عليهم لدى الأتراك جاءت مع صعود النزعة القومية على مستوى النخبة التركيَّة، وكان ذلك خلال القرن التاسع عشر، في وقت تصاعدت فيه القوميَّات في أوروبا، وظهرت فكرة إنشاء دولة قوميَّة تركيَّة، وبالتالي وجوب “تتريك” الأعراق المتعددة الموجودة داخل إطار الدولة العثمانيَّة، مما أثَّر ذلك على العرب في الولايات التي كانت تخضع للدولة العثمانية من حربٍ قام بها الطورانيون ضد العرب ولغتهم العربية بالتتريك بالقوة، والحرب على حرية الرأي والصحافة، ومحاولة إسكات أي صوت عربي يطالب بحقوق العرب، وإغلاق الصحف الناطقة بالعربية، وإلزامية التعليم بالتركية في الولايات العربية، إضافةً إلى جَعْل التركية العثمانية هي اللغة الرسمية في المعاملات الحكومية، إلى غير ذلك من السلوكيات التي نفَّرت العرب من الحكومة التركية العنصرية، وجعلت موقفها هو نفس الموقف الفارسي من البلدان العربية التي احتُلَّت، كالأهواز، والساحل الشرقي للخليج العربي، فالإسلام الذي شَرُف العرب بنشره بين تلك الشعوب لم يَسلُب من تلك تاريخها أو مكانتها، بل وحتى خصوصيتها القومية، وأقرَّها على ما هي عليه، مع الالتزام بالأخوة والروابط، وعدم وجود الفوارق إلا بالتقوى فقط، ولكن حظوظ الهوى والنفس هي التي غلبت القوم.