قراءة من كُتب التمجيد
يقول أكمل الدين إحسان أوغلي: “وعندما ننظر إلى تلك البقعة الجغرافية الواسعة التي نعيش عليها وهي تشد أنظارنا اليوم – يقصد إلى تأليفه لكتابه الدولة العثمانية تاريخ وحضارة – بعدم الاستقرار السياسي وصراعاتها الاجتماعية، ثم نرى أنها عاشت حقبة طويلة تحت الحكم العثماني في جو من السلم والهدوء -!!- على عكس ما يحدث اليوم، وندرك بالبداهة مدى أهمية التاريخ العثماني ومكانته في الإطار العام للتاريخ العالمي”. وتأتي شهادته التي يؤكدها رغم أنها ضد دولته وهي: “فالإمبراطورية العثمانية هي الدولة الوحيدة التي استطاعت بعد الإمبراطورية الرومانية أن تؤسس أطول الدول عمرًا في العالم، فوق أراض ذات أهمية إستراتيجية عظيمة، وأن تنجح في توحيدها فوق ثلاث قارات”.
حين يذكر مصطلح الإمبراطورية نستحضر ذلك المفهوم، الذي يعني أنه نظام من أنظمة الحكم القديمة قائم على أساس التحكم في أقاليم واسعة وشعوب مختلفة. وفي ذلك تفاصيل كثيرة، وحاكمها يُلقَّب بالإمبراطور، ويناقض نظام الخلافة التي دأب الأغلب في التشدد والتمسك بمنحه لسلاطين آل عثمان، وها هو أوغلي يعزز المفهوم ولم يؤرخ له، ويشرح الحقبة التاريخية العثمانية بأنها كانت في جو من السلم والهدوء، ويكفينا أن لا نذكر سوى تأريخهم لتاريخ سلاطينهم وتمجيدهم لهم وأنهم حكموا العرب وغيرهم بغير ما يقول.
ومن قراءة في كتاب الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية يستجلب رأي، وهو أن الخلافة العباسية رغم “… ما آلت إليه بعد انحلال رابطتها على إثر سقوط بغداد عام 656هـ، ومع استمرارها في شكل ولايات متناثرة – حافظت على اسم الخلافة – ثم قيامها مرة أخرى على أسس قوية بواسطة الأتراك العثمانيين الذين قاموا بفتح القسطنطينية بواسطة محمد الفاتح. ولا ينبغي أيضًا إغفال الدور الكبير الذي قام به السلطان عبد الحميد في المحافظة على الخلافة في وجه الأعداء”. أي أعداء يقصد، وكل مراسلة أو استصدار قانون سبق بتوقيع السلطان لقب خليفة، غير الألقاب التي تمجد وتعظِّم إلى أن وصلت أسماؤهم تتعدى السطر والسطرين، ولا أبالغ إن زادت عن ذلك لكتابتهم ألقابًا وصفات تسبق اسم السلطان، ولا ننسى -وإن نسي بعض المؤرخين- أن سليمًا الأول عند اقتحامه مصر اقتاد من اقتاد خلفه بالقوة القهرية، حتى الصناع والمهرة، ليبنوا له حاضرته مثلما بنوا قاهرة المعز، وفرض عليهم الإقامة الجبرية وتحت الرقابة حتى لا يعودوا إلى وطنهم ولم يتواصلوا مع أسرهم طيلة تلك المدة! والأدهى من ذلك هو التحفظ على آخر شخصية حاكمة في البيت العباسي؛ ليأمن عدم عودة الخلافة والحكم لأسرته، وقد أرخوا لتلك الحوادث بكل فخر، ومنهم المؤرخ المصاحب أوليا جلبي.
وكتب رشيد رضا في مجلة المنار يقول: “وإن ملاحدة الترك هم الذين يبثون الدعوة إلى تشويه الدولة العثمانية ويبثون الدعوة إلى الإلحاد ويحرضون الزنادقة والمرتابين على ترك الإسلام واحتقار تشريعه وآدابه ولبس قلانس الإفرنج وإثارة الغيرة القومية والعصبية الجنسية … وقلما ثبت لهؤلاء الملاحدة نسب صحيح في الشعب التركي!! – الذي صار عريقًا في الإسلام، بل منهم الروسي والرومي والبلقاني واليهودي الأصل”. – سؤال للتاريخ: ومن جلبهم؟ وسلَّطهم؟ – ويعود ليقول: “وقد سلطوا على إفساد هذا الشعب بدعاية العصبية الجنسية وترجمتهم للقوانين الأوروبية ولبسهم البرنيطة، وأن السواد الأعظم من الترك يمقتون هؤلاء الكماليين أشد مما كانوا يمقتون إخوانهم الاتحاديين”.
ولو علم السيد رشيد رضا أن صور مصطفى كمال أتاتورك -وهو أبو الترك حسبما يلقبونه في الدولة الحديثة- تلتحف بها شوارع الجمهورية التركية، لما كتب تلك المؤرخات؛ لأن السلطنة هي من جلبت المرتزقة من كل حدب وصوب وسلَّطتهم.
لا غرابة في أن انقلاب السحر على الساحر!