سفرنامة "خسرو"!!!
كتاب “رحلات الأسفار” لناصر خسرو فيه كثيرٌ مما دونه ونقله بدقة تعدُّ إثراءً للحقبة التاريخية التي عاصر فيها تغيرات وأحداث، لا سيما فتن القرامطة، وخروج مِلَلٍ ونِحَلٍ ينتمي إلى أحدها، وهي الفرقة الإسماعيلية التي أثَّرت تأثيرًا واضحًا في تعامله مع نقل مشاعره العقدية التي تبرز في انتمائه لفرقة تتعدد أسماؤها وتختلف من منطقة إلى أخرى في المسمى، وتتفق في جوهرها الضال، فمثلاً ذكر صاحب كتاب “الملل والنحل” وغيره ، بأنه لهم دعوة في كل زمان، ومقالة جديدة بكل لسان، وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما ألزمهم هذا اللقب لحكمهم حسب فلسفتهم، بأن لكل ظاهر باطنًا، ولكل تنزيل تأويلاً.
ولهم ألقاب كثيرة على لسان قومهم: ففي العراق يسمون: الباطنية، والقرامطة، والمزدكية، وبخراسان : التعلمية، والملحدة.
وهم يقولون: نحن الإسماعيلية؛ لأننا تميَّزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم، وهو نسبة إلى: إسماعيل بن جعفر-. ولقد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وتطاولوا على الذات الإلهية في صفاته – معاذ الله مما يتقولون – وغير ذلك من سلسلة لا تنتهي من الضلال العقدي والفكري .
لقد ورَّثوا كرههم للعرب، واعتبروا أنفسهم خلقًا غير الخلق، وكلما كثرت مذاهبهم الدينية، حاولوا نقلها وكأنها من الإسلام، ووصل الحال بهم إلى العمل في الخفاء، وأسسوا المؤامرات للقضاء على خصومهم بالثورات أحياناً، وبالدعوة المقنعة بالعلم – كسفر ناصر – أحيانًا أخرى، وقد تربوا على تقديس ملوكهم والاعتراف بالحق الإلهي لهم. وكان الانتقام من العنصر العربي باديًا جليًّا في تعاملاتهم، وفي مؤرخاتهم أمثال الشاهنامة، وسفر نامة ناصر خسرو ، ووقع العرب بين شعوبية الترك والفرس وقوميتهم!!!!!
نشأ ناصر على مذهب أهل السنة وقرأ الفلسفة واطلع على عقائد المذاهب المختلفة التي كانت تتزاحم في خراسان، فاعتراه تحول نفسي وحيرة كادت تصل إلى الإلحاد، فعزم على القيام برحلة إلى الشام ومصر والحجاز .
بدأ رحلته من (مرو) سنة 437 هـ وتوجه إلى الشام مارًّا بمنبج وحلب ومعرة النعمان، وفي هذه المدينة زار أبا العلاء المعري، وتابع طريقه إلى مصر فبلغها سنة 439هـ واتصل بالخليفة الفاطمي المستنصر بالله وبايعه واعتنق المذهب الفاطمي الإسماعيلي. وتوجه بعد ذلك إلى مكة حاجًّا بصحبة رسول الخليفة الفاطمي، وعاد بعد حجته إلى مصر. وذلك حسبما ذكرته المصادر ومن خلال كتاب رحلاته .
وفي سنة 444 هـ عاد إلى (بلخ) عن طريق الإحساء والبصرة، وانتهى إلى خراسان وطوَّف فيها، وانتقل منها إلى مازندران فأقام بها زمنًا طويلاً، وأخذ يقنع الناس للدخول في مذهبه، ودخل كثيرٌ منهم في مذهبه مما أثار الفقهاء عليه وأثار الحكومة، وقاطعه أهله، فهاجر إلى (يمكان) وهناك أخذ يصنف الكتب والرسائل في مذهبه، وكان بعضها من وحي الخليفة الفاطمي المستنصر بالله نفسه. وإن كان ذلك فيه تفسير وتحليل لتلك الأسباب، لكن واقع الرحلة تثبت مدى التوجه والحقد، فيما تركه مؤرخو الفرس عند كتابتهم عن تاريخ العرب في فارس بعد حقبة الفتح الإسلامي لها.
كتب خسرو رحلاته وتُعَدُّ في تقييمها جغرافية، ونقل مشاهداته ووثق كثيرًا منها، ولكن ارتباطه المذهبي يظهر في كتاباته، وتقربه إلى الحاكم، والذي يعدُّ عندهم بمنزلة الآلهة، يتغلب على توجه العلم والمعرفة السليمة .
ويكفي أن اختم مقالي هذا بأن ناصر خسرو ينفي الدين عن العرب – الأعراب – على حدّ قوله، وهنا ينفي حصافته العلمية، وتظهر في كتاباته المقارنة بين بلاد العرب الصحراوية مع بلاد فارس، وعندما ينتفي التكافؤ تنتفي المقارنة. ولكن كان ذلك للحط من قيمة العرب والتعامل بالتعالي الذي توارثوه على جهل وعقائد فاسدة ضالة.