التحالف الصفوي مع الاستعمار الأوروبي
ضد العرب والمسلمين
مع مطلع القرن السادس عشر الميلادي أصبح الشاه إسماعيل الصفوي هو السيد الأوحد في الهضبة الإيرانية، ومن أجل تأكيد حُكمه بصبغة عقائدية قام الشاه إسماعيل بفرض “الصفوية الشيعية” كأيديولوجية لدولته، وعمل على تراجع المذهب السني لصالح عقيدته الجديدة، والحق أن هذه العقيدة الجديدة تحوط بها الكثير من الشبهات، حتى إن البعض اعتبرها “هرطقة” دينية جديدة.
ويؤكد ذلك المؤرخ جان لوي جرامون؛ إذ يصف الصفوية الشيعية قائلًا: “هي عقيدة هجينة غريبة، يجد المرء فيها عقائد محلية من ما قبل الإسلام، ممتزجة بعقائد أخرى قادمة من الشامانية القديمة المميِّزة لسكان البراري، مع تغطية كل ذلك بطلاء خفيف من إسلام متشيِّع، لكنه جد غريب عن الشيعية الاثنى عشرية”.
وبالفعل كانت الصفوية خليطًا من العقائد الدينية الفارسية القديمة في محاولة لإحياء النزعة الفارسية القومية في مواجهة الإسلام، الذي ينظر إليه متطرفو الفرس على أنه كان السبب الرئيس في زوال الإمبراطورية الفارسية، ونهاية حكم الأكاسرة، من هنا كانت الصفوية الشيعية ليست مجرد مذهب ديني جديد، أو حتى هرطقة دينية، وإنما في الأساس مشروع سياسي لإحياء الإمبراطورية الفارسية، وعودة حكم الأكاسرة من جديد.
ويتَّضح ذلك بجلاء إذا نظرنا إلى خطوات المشروع السياسي الصفوي للسيطرة على العالم الإسلامي، ولا سيما الجار القريب، الجناح العربي، وتتَّضح معالم ذلك المشروع من خلال الاحتلال المتكرر للصفويين للعراق، والمذبحة التي ارتكبوها في بغداد بإعدام رموز المذهب السني، كراهيةً في العرب والإسلام، ولتأكيد نشر الهرطقة الصفوية بحد السيف، يُضاف إلى ذلك عودة الأطماع الفارسية في الخليج العربي، وأيضًا محاولات السيطرة على الساحل الغربي للخليج.
وفي البداية ستصطدم الأطماع الصفوية في المياه العربية بالاستعمار الأوروبي، الذي بدأ من خلال البرتغاليين، وهنا لن يجد الصفويون غضاضة في التحالف مع الأوروبيين ضد القوى الإسلامية، بل ومحاولة اقتسام الخليج العربي مع الاستعمار الأوروبي.
ويؤكد عبد العزيز نوَّار هذه السياسة البراجماتية المعادية للإسلام السني قائلًا: “كانت الشواهد السابقة واللاحقة تؤكد أن شاهات فارس لم يكونوا يتورعون عن التحالف مع القوى الأوروبية الصليبية”.
وبالفعل يحدث التواطؤ الكبير بين الصفويين والبرتغاليين للسيطرة على المياه العربية الجنوبية، لكن البرتغاليين لم يُرضوا كل أطماع الصفويين في التهام منطقة الخليج العربي، وبناءً على ذلك لم يستنكِف الصفويون البحثَ عن حليف أوروبي جديد، وهي القوة الاستعمارية الجديدة: إنجلترا، وكان أكبر مظاهر ذلك في زمن الشاه عباس الكبير، كما بدأ الصفويون علاقات ثم تحالف مع إسبانيا، ألدِّ أعداء الإسلام والمسلمين في بلاد المغرب العربي، وتُجمِع أغلب المصادر التاريخية على أن سياسة الصفويين تبلورت في إقامة تحالف كبير مع القوى الأوروبية، وعلى رأسها النمسا وأسرة الهابسبورج والإمارات الإيطالية والبابوية من أجل شن حرب كبرى ضد الدولة العثمانية من أجل السيطرة على العالم الإسلامي.
ويرتبط بتلك السياسة محاولات إثارة القلاقل والتمرُّد في بعض أرجاء العالم العربي، مثل تشجيع فخر الدين المعني الدرزي أمير لبنان، على الانضمام إلى هذا التحالف، وكذلك قبائل جانبولاد الكردية، من أجل العمل على انهيار العالم الإسلامي من الداخل.
وتتَّضح معالم هذا التحالف الخبيث جليًّا أنه كلما كان الجيش العثماني في مواجهات عسكرية مع أسرة آل الهابسبورج، سواءٌ في المجر أو حتى النمسا، تظهر البراجماتية الصفوية من خلال إشعال جبهة جديدة هي الجبهة الشرقية، والعمل على إعادة احتلال العراق، وتوطيد النفوذ الفارسي في أرجاء الخليج العربي، مستفيدين من انشغال العثمانيين بالمعارك في أوروبا، وكثيرًا ما اضطر العثمانيون إلى وقف القتال مع أسرة الهابسبورج في النمسا؛ لتركيز الجهود في مواجهة الصفويين وطعناتهم الغادرة من الخلف.
كانت هذه هي الخلفية التاريخية لهذا التحالف الأثيم بين الصفويين والقوى الأوروبية الاستعمارية، وعلى رأسها أسرة الهابسبورج، هذا التحالف الذي بدأ مبكرًا جدًّا في زمن الشاه إسماعيل الصفوي، من خلال مراسلته مع شارل الخامس في الفترة من 1516 إلى 1519، بينما كانت الجيوش العثمانية تتقدم بالعديد من الفتوحات الكبرى، وكادت أن تُخضع معظم وسط أوروبا لسلطانها لولا هذا التحالف الأثيم بين إسماعيل الصفوي وشارل الخامس إمبراطور النمسا، وكانت ذروة الخيانة في الرسالة المكتوبة باللغة اللاتينية من قِبَل الصفويين في عام 1523 إلى شارل الخامس يعرضون فيها تنسيق العمليات المشتركة ضد العدو المشترك؛ الدولة العثمانية.
هكذا كان المشروع الصفوي: هرطقة دينية، وخيانة سياسية للعرب والمسلمين، وتحالُف مع الغرب الاستعماري.