"المشروع الصفوي والصهيوني وحالة العداء للعرب ومصالحهما المشتركة"

لم ينفك الفرس واليهود عبر تاريخهم يُظهرون طبيعة العداء القديم الذي يُكِنُّه كلٌّ منهما للعرب والمسلمين بعامة، وإن اختلفا في أصل ذلك العداء وفي منشئه وتكوينه، وفيما هما عليه الآن من سياسة، فطبيعة العداء تشير إلى أن الجنس الفارسي لم يهدأ يومًا واحدًا في معاداته للعرب منذ قوَّض الفاتحون المسلمون عرش كسرى وإلى اليوم، ولذلك فهم في حكم الموتور، وسياساتهم كلها لا تفسَّر إلا من خلال مشاعر الحقد والكراهية للعرب جميعًا، بل هي ثقافة تربَّت ونشأت عليها الأجيال في إيران الفارسية، والشواهد التاريخية على ذلك لا تُحصى في التاريخ الفارسي، ولا زالت -يا للأسف- تغذَّى المخيلة والعقلية الفارسية بالكره والبغض للعرب حتى عصرنا الحاضر رغم انفتاح العالم على بعضه حتى أصبح قرية صغيرة، ولكن النظام الكهنوتي الجاثم في إيران مستمر في تلك التغذية المريضة منذ أكثر من أربعين سنة، فنشأ جيل أو أكثر على تبنِّي تلك الحالة المحتقنة ضد العرب، والسؤال هنا: هل سنرى يومًا ما الشعب الإيراني منعتقًا من تلك الروح الصفوية المبغِضة للعرب؟ والتي على ما يبدو لنا أنها من سابع المستحيلات إلا أن يشاء الله، فالفرس في إيران عوضًا عن الرجوع إلى الإسلام الصحيح الذي ساوى بين العرب وبين جميع الأجناس، وأنه لا فرق بينهم إلا بالتقوى، نجدهم ظلوا على تلك العقلية، ومع ما وجدوا في النظام الكهنوتي الحاكم من سوء ذاقوا في ظلِّه كل الرزايا والتخلف الفكري والثقافي، وأنه إسلام ليس له علاقة بالإسلام أساسًا، فانتكس الكثير من طبقات الشباب نحو المجوسية مرة أخرى، أو الإلحاد، مُبتعِدين بذلك عن نظام تلبَّس باسم الإسلام، والإسلامُ منه براء، والذي في الحقيقة جعل من إيران ساحات للفقر والمخدرات، وانتهاك للحريات وحقوق الإنسان، وفي حالة من الخواء الروحي، وبنفَسٍ صفوي المقيت.

‎     وكذلك الحال بالنسبة للصهاينة والصليبيين الذين لم يَغِب عن أذهانهم ما حصل لهم في القرن الهجري الأول، في أثناء الفتح الإسلامي، وكيف خرجوا صاغرين من بلاد الشام، وكيف تعقَّبهم المسلمون في البر والبحر، وكيف كانت المعارك معهم سجالًا منذ الفتح الأول، وحتى معركتَي الزلاقة وملاذ كرد في القرن الخامس الهجري، التي استمرت إلى ما بعد فتح القسطنطينية في القرن التاسع الهجري وحتى عصر الاستعمار، حيث عادت الكرة لهم، فكانت الحركة الصليبية الصهيونية الحديثة امتدادًا لتلك السياسات التي جمعت الصليبيين والصهاينة في خانة واحدة ضد البلاد العربية، فجمعتهم المصالح ضد العرب، أو ما يمكن أن نطلق عليه صراع الأيديولوجيا العقَدية والمصالح المشتركة.

وقد اصطفَّت إيران الصفوية والخمينية لمصلحة ذلك الصراع في مرحلة من مراحله التاريخية، فلو أمعنا النظر بشيء من العمق إلى معرفة ما هي أوجه الاختلاف بين المشروع الصفوي والصهيوني بالعداء ضد العرب؟ سنجد أن الاختلاف في المصالح هو سيد الموقف، فالمصالح الإيرانية غير المحدودة بالتوسع وتصدير الفكر الثوري الصفوي التي تمتد لتشمل سورية والعراق، لتصطدم مع المصالح الصهيونية الأيديولوجية، التي ترى أن حدودها الطبيعية من العراق إلى النيل، وهو شعارها المُعلَن ضمنيًّا في علَمها الرسمي، ولذلك كثيرًا ما تتضارب المصالح الفارسية مع المصالح الصهيونية والصليبية.

ففي الوقت الذي ترى فيه إيران أن من مصلحتها القضاء على البنية الديمغرافية في سورية والعراق، وذلك تمهيدًا لإقامة الدولة الفارسية القديمة الممتدة من باكستان إلى البحر الأبيض المتوسط، يرى الصهاينة والصليبيون أن تمدُّد إيران على هذه الطريقة سيكون خطرًا على الدول الحليفة؛ لأنه سيؤدي إلى قيام دولة كبرى فارسية الطابع صفوية الهوى، وهو ما لن يسلَّم به جدلًا، حتى وإن قيل: إن ذلك يُضعف المكوِّن السُّني بل ويشلُّه تمامًا.

ورغم ما نشاهده من مناوشات بين أطراف الصراع من خلال ما تنقله لنا شاشات الأخبار أو وسائل الاعلام الجديد فإن هناك مرتكزات ومحددات من أجل المحافظة مصالحهما وعدم الدخول في مواجهة مباشرة، ولعل الذراع إيراني الممتد في جنوب لبنان خير دليل على ذلك مع ادِّعاءاته ورفع شعار المقاومة ضد الصهيونية سنين طويلة، فنرى في حقيقة الأمر أنه كان يمارس دور الحارس الأمين لدولة الكيان الصهيوني، والذي سلَّم مؤخرًا تلك البوابة والجمل بما حمل؟! ومن جهة أخرى التنسيق الكبير والدائم بينهما في إدارة وحفظ المصالح من خلال اللقاءات السرية، واتخاذ القرارات من تحت الطاولة.