المشروعان الصفوي والصهيوني

متفقان على التحالف في الخفاء

قوميتان تعيشان على ضفاف العالم العربي، لكل منهما أجندتها ومصالحها وأحلامها التي تعتقد جازمةً أن مَن يقف أمام تحقيقها هم العرب، ومنذ وقت مبكر – أي قبل الإسلام- اصطدمت هاتان القوميتان مع العرب، في محاولات عدة لإقصاء العنصر العربي وتهميشه، وإبقائه داخل جزيرته العربية، بل وتحميله وِزْرَ الحياة البدوية، وتصنيفه على أنه في طبقة اجتماعية أقل من الفرس واليهود.

أهم صدامَين للعرب المسلمين مع اليهود والفرس حصلا في وقتين متقاربين، لم يتجاوزا عشرة أعوام، ففي العصر النبوي حصل أول تصادم بين القوميتين العربية واليهودية، وبعدها مباشرة أسقط الفُرسان العرب الإمبراطورية الساسانية في معركة القادسية.

لذلك تتقاطع وتتضارب المصالح الإيرانية والإسرائيلية في الإقليم، وتتحرك بناءً على تقدُّم مشاريعهم الإستراتيجية وتأخُّرها، لكنهم يتفقون على كراهية العرب ومحاولة القضاء عليهم، وهم أيضًا يختلفون في بعض الملفات التي تخص نظرتهم التوسعية، لكنهم بلا شك يرون أن  صراعهم مع العرب ضرورة تاريخية تنطلق من عنصرية صفوية تكره العرب، وتنطلق من رغبة مُلِحَّة في القضاء عليهم لاستعادة الإرث الفارسي والإمبراطورية الساسانية، وفي المقابل يحاول الإسرائيليون المعتمدين على الأيديولوجيا الصهيونية إقامة دولتهم الكبرى من الفرات إلى النيل، وإقامة الهيكل في مدينة القدس، والهيمنة على العالم العربي.

ولأن العالم العربي بموقعه الإستراتيجي، ووجوده بين قوميتين عنصريتين لا تقبلان بوجود أي مكون آخر غيرهما؛ أصبح قَدر هذه المنطقة من العالم صراع قاتل لا ينتهي، فإسرائيل الكبرى كما تخطط الصهيونية لفرضها بالقوة على الجغرافيا والتاريخ في العالم العربي، ورد تعبيرها -المزعوم- في السياق التوراتي للإشارة إلى أرض الميعاد، كما ورد في سفر التكوين 15:18-21 أو أرض إسرائيل، وسُمِّيت أيضًا “بأرض إسرائيل الكاملة”، وقد ورد في المحتوى التوراتي “تعريفات جغرافية” لأرض إسرائيل، الأول: في سفر التكوين 15:18-21، ويبدو أنه يعرف الأرض التي منحها الرب لنسل إبراهيم، ومن بينهم إسماعيل، عمران، يفشان، مدين، … إلخ، ويحدِّد هذا النص أراضي ضخمة، “من نهر مصر إلى الفرات”، التي تتألف اليوم من الأراضي الفلسطينية، لبنان، سوريا، الأردن، والعراق.

كذلك الإيرانيون الخُمينيون أو الصفويون يرون أن عليهم مسؤولية تاريخية في استعادة الإمبراطورية الفارسية أو إيران الكبرى على حساب العرب، وهي حسب التعريف المناطق التي تأثرت إلى حد كبير بالثقافة الإيرانية، وهو يطابق تقريبًا ما يسميه الجغرافيون “الهضبة الإيرانية”، التي تعني حسب المفهوم الصفوي كل الأراضي العليا المحيطة بدولة إيران الحالية، والتي تمتد من القوقاز إلى نهر السند باتجاه العراق ثم الخليج العربي.

صراع الهويات موجَّه ضد العرب فقط

يقول الكاتب صلاح المختار في كتابه “صراع الهويات القومية”: لإخفاء الطبيعة القومية للتوسعية الفارسية أُسقط الشاه القومية الفارسية، ونصب بدلًا عنه الخميني ونظام الملالي، وهو نظام فارسي قومي الجوهر، لكنه أراد التخفي خلف الدين لإبعاد شبهة الدفاع القومي الفارسي، وتضليل بعض العرب والمسلمين.

والكاتب هنا يرى أن سقوط الشاه لم يكن فعلًا عفويًّا، بل مقصودًا من القوى الغربية، خاصةً الأمريكان الذين كانوا حلفاء الشاه، لكنهم تخلوا عنه لتنفيذ أجندات الغرب بطريقة مختلفة، خاصة وأن الشاه لم يكن يحمل أيديولوجية إسلامية يختفي وراءها في محيط يقتات على تلك الأيديولوجيا، لذلك فشل في تسويق عنصريته الفارسية، وكان من الضروري استبدالها بعنصرية ذات غلاف ديني طائفي، وهو ما نجحت فيه إيران الخمينية.

بينما يشير الكاتب علي حسين باكير بعد استعراضه لكتاب “التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران وواشنطن”، وهو كتاب يبحث في أسرار العلاقة بين ثلاثة أطراف تُظهر العداء فيما بينها، بينما الحقيقة أنها تتخادم في ملفات عدة، حيث يعرض المعلومات الدقيقة لطبيعة العلاقات والاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران – أمريكا) خلف الكواليس، شارحًا الآليات وطرق الاتصال والتواصل فيما بينهم في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والسجالات الإعلامية الشعبوية والموجَّهة، ويعالج الكتاب العلاقة الثلاثية بين كل من إسرائيل، إيران وأمريكا ليَنفُذ من خلالها إلى شرح الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث، وتصل من خلال الصفقات السريّة والتعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها على حساب العرب، بالرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي للعداء الظاهر فيما بينها.

وعند البحث في أسرار العلاقة بين الصهيونية والصفوية، سواء الحديثة منها أو القديمة، فإن أوجهًا كثيرة يمكن فرزها وتبيانها يكشفها الدكتور خالد الشنتوت في كتابه “خطر الصفوية على بلاد الشام”، الذي يقول: “ثمّة فروق حقيقية، ومَشابِه حقيقية، بين الدولتين الصفوية والصهيونية، تضع المراقبَ لكل منهما، الخبير بحقيقة كل منهما، بين الرغبة في المقارنة من منطلق عقلي مشوب بالحذر، واستبعاد هذه الرغبة من منطلق عاطفي مشوب بالتوجُّس، إلَّا أن الإحساس بالمسؤولية إزاء وعي الأمّة، الديني والسياسي والتاريخي.. يدفع الباحث إلى المقارنة، دفعًا لا قِبَل له بمقاومته”.

الواقع السياسي في الشرق الأوسط يؤكد التحالف العملي بين إيران والصهيونية.

ويبقى السؤال المؤرِّق الذي يمكن رصد نتائجه على الواقع العراقي واليمني والسوري والفلسطيني: أيُّ المشروعات الثلاثة أخطر؛ المشروع الصفوي الفارسي، أم المشروع الصهيوني، أم تَحالف المشروعين معًا، واتّفاقهما على اقتسام الهيمنة والنفوذ على الأمتين العربية والإسلامية، وتمزيقهما بين الدولتين؟ بلا شك إنها جميعًا خطيرة، فهي تتفق على عداء المحيط العربي بالرغم من اختلافهم في بعض الملفات.

  1. خالد الشنتوت، خطر الصفوية على بلاد الشام، كتاب منشور على موقع خالد الشنتوت (2013).

 

  1. صلاح المختار، صراع الهويات القومية (لندن: كتب، 2020).

 

  1. علي باكير، التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران وواشنطن، المكتبة الشاملة (2008).