الصفويون قدَّموا كل التنازلات

للأوروبيين لتطويق العالم العربي

لم تكن تحالفات الدولة الصفوية في المحيط الأوروبي تمثل علاقات سياسية فحسب، بل كان خيارًا إستراتيجيًّا صفويًّا لهدم الإسلام والقضاء عليه في مهده، بعد أن تأسست دولة الصفويين كنبتةٍ شيطانية في تُخوم العالم العربي، حتى وصل تأثيرها السلبي على استقلال العالم العربي، الذي لا يزال تأثيره إلى اليوم، كنتيجة حتمية لتحالفهم مع الاستعمار الأوروبي في ذروة صعود طموحاته الاستعمارية، واستهدافه العالم العربي من الخليج العربي حتى المغرب في أقصاه.

الصفويون كأسلافهم الفرس، رأوا أن الإسلام هو المتسبِّب في هدم إمبراطوريتهم الفارسية، وآمنوا أن القضاء على العرب هو الأساس الذي ينطلقون منه للعودة إلى أمجادهم القديمة كما يزعمون، في المقابل رأى الأوروبيون أن عودتهم إلى الأرضي المقدسة في فلسطين وشَنَّ الحروب الصليبية لا بد أن يمر عبر القضاء على العرب المسلمين، وإعادة الإمبراطورية الرومانية إلى حدودها القديمة في الشرق، كما كانت قبل ظهور الإسلام.

عندما بدأت الدولة الصفوية علاقاتها الخارجية لم تَسْعَ للتفاهم مع جيرانها المسلمين من العرب، بل ذهبت للتحالف مع الدول الصليبية في أوروبا التي أسقطت الأندلس، وبدأت في إنشاء الأساطيل للوصول إلى الجزيرة العربية، وهو ما تؤكده الوثائق البرتغالية.

ومن يرصد العقلية الصفوية، وكيف أدارت علاقاتها مع جيرانها ومع الفضاء الدولي حينها، يجد أنها حاربت محيطها الإسلامي العربي، وبنت على الفور علاقات إستراتيجية وصلت لحد التحالف مع النمسا والبرتغال والمجر وإيطاليا، تحالفات مصلحية بين طرفين كان العرب عدوَّهما الأول.     

لقد أضحى التحالف مع القوى الصليبية سِمة تُميز الدولة الصفوية التي رأت أن التقارب مع الصليبيين أكثر فائدةً لهم من تقارُبهم مع العرب المسلمين، في حين كانت البلاد العربية والإسلامية في أمَسِّ الحاجة للتصدي للحملات الصليبية الجديدة، التي جاءت مع إسبانيا والنمسا والبرتغال، التي نجحت في إسقاط الأندلس، وكانت في الطريق لاحتلال بلدان وشعوب مسلمة أخرى، وهو ما تحقَّق فعليًّا في العقود التالية للتحالف المشؤوم.

لم تقف الدولة الصفوية على الحياد بين الصليبيين والعرب، في الوقت الذي كان يَسَعها ذلك، بل أخذت موقفًا منحازًا ومعاديًا بالتحالف مع الأوروبيين، تحيك المؤامرات ضدهم، وتدخل في اتفاقيات عسكرية مع دول أوروبا للقضاء على القوى الإسلامية، وتجهز الأرض لهم، كما فعلت عندما منحت البرتغاليين حق التصرف في جزيرة هرمز في الخليج العربي، وهو ما حولها لمنصة لاحتلال سواحل العرب من قوى الاستعمار الغربية لاحقًا، ويلاحظ الكثير من المؤرخين السياسيين أن الصفويين كانوا هم مَن أدخل قوى الاستعمار إلى منطقة الخليج العربي، إثر تمهيد الطريق بعقد التحالفات العسكرية والتجارية مع البرتغاليين والهولنديين والإنجليز، ولعل أبرز تلك المؤامرات ما حصل في عهد الشاه إسماعيل الصفوي، بعد الهزيمة المُرَّة التي لحقت به في موقعة جالديران عام (1514)؛ إذ تحرك من فوره للتحالف مع البرتغال لتغطية هزيمته.

كانت اتفاقيات الفرس مخزية ضد العالم الإسلامي في عصر الدولة الصفوية.

الاتفاق مع فينيسيا (البندقية)

جاء اتفاق الصفويين مع جمهورية فينيسيا (البندقية) مُخزيًا – كما يصفه كثير من المؤرخين- على كافة الأصعدة، فقد كانت فينيسيا في أسوء أحوالها الاقتصادية والعسكرية إثر القضاء على الدولة البيزنطية، وإغلاق الطريق الرئيس للتجارة بين أوروبا وآسيا، فأرسل الشاه إسماعيل السفراء إلى بلاط فينيسيا طوقَ نجاة لهم، طالبًا منهم الهجوم على الشرق عن طريق البحر، وأن يقوم هو بالهجوم من ناحية البر، بشرط أن تسترد فينيسيا قواعدها التي فقدتها في البحر الأبيض المتوسط.

كما كانت للشاه الصفوي عباس اتصالات ومؤامرات عدة مع الصليبيين، فقد قدَّم عباس عروضًا للإسبان عن طريق “البنادقة”، لكي يتقاسمَا الأراضي العربية، فتهجم الأولى من جزئها الأوروبي، ويستأثر هو بالجزء الآسيوي، ولم يكن هذا العرض سوى واحد من عروض كثيرة حملها سفراء إيرانيون إلى أوروبا.

يقول المؤرخ عباس إقبال في كتابه “تاريخ إيران بعد الإسلام”: “يُعَدُّ الشاه إسماعيل بلا شبهة أحد أكبر ملوك إيران، ومع أنه تخطى جادَّة الإنصاف والمروءة في تحميل مذهب التشيع على شعب إيران، وكان أغلبهم حتى ذاك الوقت من السُّنة، فسفك دماء كثير من الأبرياء بقسوة، إلا أن سياسته في هذا السبيل، أي إيجاد الوحدة المذهبية في إيران وجَعْل المذهب الشيعي مذهبًا رسميًّا، واختيار السيرة التي سار عليها خلفاؤه قد أفضت إلى نتيجة هامة جدًّا، هي حفظ المجتمع الإيراني من شر هجمات المتعصبين، الذين كانوا يسمون أنفسهم من أواخر عهد السلطان سليم أمراء المؤمنين وخلفاء جميع المسلمين، وادَّعَوا أن كافة المسلمين لا بد أن يطيعوهم بحافز الإيمان، كعهد الناس في زمن العباسيين، وأن يعترفوا بأن إجراء أوامر السلطان فيهم فريضة دينية بعد حُكم الله ورسوله، وقد حالت سياسة الملوك الصفويين دون انخداع أهل إيران بهذه الدعوة وانخراطهم بفقد استقلالهم في المجتمع السُّني، بل إنهم خلافًا لذلك كانوا دائمًا يتودَّدون ويرتبطون ببلاد المسيحيين الأوروبية، يستقبلون سفراءهم، ويبعثون إليهم بمبعوثيهم، وقد تعرَّفت إيران إلى حد ما بهذه الطريقةَ إلى أحوال أوروبا، التي كانت في حالة من الرقي ، كما صارت مقدمات لانتقال بعض وسائل الحضارة الجديدة إلى إيران”. 

ويذكر شاهين مكاريوس في كتاب “تاريخ إيران” أن الشاه عباس أصدر منشورًا إلى رعاياه يقول فيه: “إن النصارى أصدقاؤه وحلفاء بلاده، وأنه يأمر رعاياه باحترامهم وإكرامهم أينما حلّوا، واستطرادًا لهذه السياسة فتح الشاه موانئ بلاده لتجار أوروبا، وأوصى ألا تؤخذ منهم رسوم على بضائعهم، وألا يتعرض أحد من الحكام أو الأهالي لهم بسوء”، ويقول مكاريوس: “إن الشاه إسماعيل كان أول من فعل هذا مجاهرًا”.

  1. باسم حمزة، “سياسة إيران العسكرية والمذهبية والداخلية وأثرها على السياسة الخارجية في عهد الشاه إسماعيل الصفوي 1501-1524″، مجلة الدراسات الإيرانية، جامعة البصرة، ع 10-11 (2009).

 

  1. شوقي الجمل، المغرب العربي الكبير من الفتح الإسلامي إلى الوقت الحاضر (القاهرة: مكتبة الأنجلو، 1977).

 

  1. عبد العزيز نوار، تاريخ الشعوب الإسلامية في العصر الحديث (القاهرة: دار الفكر العربي، 1998).

 

  1. محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة الصفوية في إيران (بيروت: دار النفائس، 2009).