أثبت السعوديون ضعف الإمبراطورية التركية وهشاشتها وفساد معتقدها وبطلان سلطتها في العالم الإسلامي

بدأت علاقة العثمانيين بالجزيرة العربية بعد احتلالهم لمصر عام (1517)، ذلك بعد أن سقطت دولة المماليك واعترف الشريف بركات بن محمد بن بركات، أو بركات الثاني، بالسيادة العثمانية الجديدة، بعد حملة إرهاب ورسائل تخويف بعث بها سليم الأول إليه إن لم يقم بإعلان ولائه، والتهديد بغزو الحجاز. وظل العثمانيون لمدة ثلاثة قرون يمارسون استعمارهم بفرض سلطتهم على أجزاء حيوية فقط من الجزيرة العربية في الحجاز واليمن والأحساء، لا سيما في الحجاز التي ظل الأشراف يحكمونها حكمًا ذاتيًّا تحت اسم العثمانيين، إلى أن جاءت فترة صراع الأشراف على الحكم. فماذا كان موقف العثمانيين من أُسَر الأشراف المتنازعة على الحكم؟

تدخل العثمانيون لعزل مَن يريدون عزله من الأشراف عن طريق والي الشام، فكان الأخير ينتهز فرصة الفترة القصيرة التي يبقى فيها الحجاج بمكة فيقوم بعزل الشريف المطلوب عزله، ويُوَلي غيره، كما كان يُعَيِّن أحد الباشوات العثمانيين على جدة. والمتنافسون من الأشراف على شرافة مكة يلقون تشجيعًا من ولاة السلطان في الولايات المجاورة؛ إذ كانت أمور مكة خلال القرن الثامن عشر موضع تدخل ولاة مصر والشام واليمن، وفيها كان يتصادم نفوذ ومصالح كل هؤلاء.

يرصد لنا المؤرخ المصري السيد رجب حراز في كتابه “الدولة العثمانية وشبه الجزيرة العربية” حقيقة مهمة في علاقة الدولة العثمانية بقلب الجزيرة العربية: “إن الدولة العثمانية في أوج عظمتها لم تمتد سيطرتها إلى بعض مشيخات أو إمارات الخليج العربي أو خليج عمان، ولم تسيطر سيطرة فعلية على قلب شبه الجزيرة العربية. ومع ذلك فقد ظل العثمانيون يدعون حقوق السيادة على كل شبه الجزيرة أو ما يعرف بالمربع العربي، الذي يحده الهلال الخصيب من الشمال الشرقي والشمال الغربي، ثم البحر الأحمر من الغرب، وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي من الجنوب، ثم خليج عمان من الجنوب الشرقي، والخليج العربي من الشرق”.

رجب حراز: " الدولة العثمانية في أوج عظمتها لم تمتد سيطرتها إلى بعض مشيخات أو إمارات الخليج العربي أو خليج عمان، ولم تسيطر سيطرة فعلية على قلب شبه الجزيرة العربية".

وأدى هذا إلى محاولات من أشراف مكة الذين يعترفون بالسيادة العثمانية إلى غزو نجد عدة مرات، وقد بدأت غزوتهم عام (1578)، ثم عادوا لغزوها مرة أخرى بعد ثلاث سنوات. وخلال القرن السابع عشر غزا الأشراف نجد خمس مرات في سنوات (1606، 1647، 1669، 1676، 1697).

ساعد ضعف الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر نتيجة هزائمها الخارجية المتتالية، والثورات المتعددة في اليمن، وخروجها على السيادة العثمانية، فضلاً عن انسحاب العثمانيين من البحار الشرقية، إلى قوة أشراف الحجاز واعتماد العثمانيين عليهم في شؤون جزيرة العرب؛ إذ كان شريف مكة يتسلم منصبه من السلطان، ويعترف بالقاضي الذي يعينه السلطان، ويفخر بأنه خادم الدولة والسلطان.

ومع تأسيس الدولة السعودية الأولى في قلب الجزيرة العربية سنة (1744) حدث الصدام المباشر بين أشراف مكة التابعين للدولة العثمانية والسعوديين. ووصل الأمر إلى ذروته في عهد والي مكة غالب بن مساعد، الذي طعن في إسلام إمارة الدرعية، واستصدر فتوى من بعض علماء مكة بجواز محاربة الدولة السعودية، والقضاء على دعوتها، وهذا ما كان يتمناه غالب حتى يجهز حملة عسكرية للهجوم على الدولة السعودية الأولى. وخرجت حملة عام (1790) ضد السعوديين تولى قيادتها عبد العزيز بن مساعد، كان قوامها آلاف الجنود. وبالطبع سوَّغ غالب هذه الحملة بأن السعوديين خوارج على السلطان العثماني، ومن ثم لا بُد من قتالهم.

سارت الحملة إلى نجد لغزوها، وحدثت مواجهات في مناطق عدَّة، مثل قصر البسام في منطقة “السّر”، وانضم غالب بنفسه بعد ذلك إلى الحملة، حتى يطمئن السلطان العثماني على نجاح الحملة في القضاء على الدولة، وتجددت المعارك من جديد في مناطق “الشعراء” و”البرود”. لكن جيش السعوديين استطاع هزيمة جيش غالب في معركة “العدوة”. وبعد ذلك باءت كل محاولات غالب بن مساعد في إعادة الكرة من جديد بالفشل.

يقال إن غالب بن مساعد عمل من أجل استكتاب بعض علماء مكة والمدينة رسائل استنجاد إلى السلطان العثماني، من أجل تدخل العثمانيين المباشر ضد السعوديين، باعتبارهم خارجين على الدولة العثمانية، كما استغل غالب فرصة حج والي عكا أحمد باشا الجزار واشتكى له وضع السعوديين وتأثير دعوتهم على مكانة العثمانيين في الحجاز.

عاود غالب بن مساعد الهجوم من جديد على نجد، استطاع السعوديون رد هجومه، بل استطاع الإمام سعود بن عبد العزيز أن يرد عليه بهجوم على ولايته نفسها. ومنها بدأت انتصارات السعوديين على ولاة العثمانيين في الحجاز بضم الطائف حتى استرداد مكة والمدينة النبوية وبقية الحجاز من قبضة العثمانيين واستعمارهم إلى أن استصرخ العثمانيون ولاتهم حتى تحرك واليهم محمد علي باشا على مصر بعد إغراءات عدة لتجريد حملة عسكرية على الدولة السعودية بدأ التجهيز لها منذ سنة (1809م).

استنفر العثمانيون ولاتهم ودعموا الحروب العربية البينية في الجزيرة العربية.

  1. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط4 (الرياض: وزارة المعارف، 1971).

 

  1. عبدالرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبدالرحيم عبدالرحمن (القاهرة: دار الكتب المصرية، 1997).

 

  1. عبدالرحيم عبدالرحمن، الدولة السعودية الأولى، ط5 (القاهرة: دار الكتاب الجامعي، 1987).

 

  1. السيد رجب حراز، الدولة العثمانية وشبه جزيرة العرب (القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1970).