سيد قطب:

تأثر بآراء المودودي والندوي وكان متناغمًا مع الفكرة العثمانية والخلافة المزعومة

يُعتبر يوم 29 أغسطس (1966) يومًا حزينًا عند تنظيمات الإسلام السياسي والحركات التكفيرية على السواء، حيث يصادف هذا التاريخ ذكرى إعدام سيد قطب في مصر أعقاب محاكمات ما عُرف إعلاميًّا بقضية تنظيم سيد قطب أو تنظيم (1965). والحُزن ينبعث من كونه المنظر الحقيقي للإرهاب بكل أنواعه، والمُحرِّض على التخريب وإفساد الأنظمة السياسية؛ كي يتم تحويل الحكومات إلى دينية بيد المنظرين. 

اعتُبر سيد قطب، بحق، الأب الشرعي والملهم الروحي لتنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة التي اعتمدت على تأويلاته الفقهية للمشاركة في اللعبة السياسية واستغلال هامش الديمقراطية من أجل الركوب عليها، مرحليًّا، إلى حين توافر الشروط الذاتية والموضوعية للانقضاض على الحكم، وذلك من خلال تفسير ضيق وتطويع سياسي لقصة سيدنا يوسف وإسقاطها على الوضع السياسي الحالي من خلال تبرير مشروعية السعي إلى السلطة في ظل ما يُزعم أنه مجتمع “جاهلي” ونظام “كافر”.

ويُعدُّ سيد قطب، أيضًا، المرجع العقدي الأبرز للتنظيمات التكفيرية من خلال الالتقاء حول مركزية “الحاكمية” في العقيدة التكفيرية، التي يُعتمد عليها كمُسوغ شرعي لتكفير الأنظمة والخروج على الحكام، حسب تقعيدات قطب الفقهية. كما يُقرّ أتباع التيار الجهادي أنّ أفكار “قطب” هي الأساس الفكري الذي سدّ حاجة التيار المسلح، ومكّنه من نظرية يتحرّك على أرضيتها، وذلك عبر عدد من المفاهيم التي جسَّدت أساس نظرية الجهاد المسلح؛ كالجاهلية، والعزلة الشعورية، والحاكمية، والعصبة المؤمنة، وهي تلك المفاهيم التي صنعت أسس هذه التنظيمات، وعبّدت طريقها.

سياسيًّا، انضم سيد قطب إلى حزب الوفد المصري لسنوات، ثم تركه على إثر خلافٍ معه في الرؤيا والتصور السياسي المرحلي سنة (1942)، ليلتحق بجماعة الإخوان المسلمين سنة (1953)، ويخوض معهم محنتهم التي بدأت منذ عام (1954) واستمرت حتى عام (1966). حيث ساند سيد قطب بكل جوارحه حركة الضباط الأحرار سنة (1952) ورفعهم إلى درجات المديح القصوى، حيث يقول عنهم: “هذه اليد النظيفة الأمينة قد صانت الثورة من هذا كله، وليست المسألة هي النظام وحده، ولكنها النظافة والأمانة. فالمُثُل التي تعرضها قيادة الثورة في هذه الأيام مُثل نادرة في تاريخ البشرية كلها، مثلها لم تقع إلا في مطالع النبوءات”.

"قطب" النبتة الإرهابية التي كشفت حقيقة الأطروحة الإخوانية.

ويرى بعض الباحثين أن المحنة السجنية لسيد قطب كانت العامل المباشر في تحول فكره وتصلبه، خاصة بعد تأثره بالفكر الإسلامي الناشئ في الهند وباكستان، ممثلًا في أطروحات أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي. ويسرد لنا الباحث حلمي النمنم قولًا للدكتور حسن حنفي يقترب من هذا المعنى فيقول: “بعد عدة سنوات، وفي داخل السجن قرأ كتيبًا صغيرًا لأبي الأعلى المودودي بعنوان المصطلحات الأربعة، وهي الحاكمية والألوهية والربانية والوحدانية، فأبرزت لديه مفهوم الحاكميّة وجعلته محورًا لتفكيره، حاكمية الله ضد حاكمية البشر، وألوهية الله ضد ألوهية البشر، وربانية الله ضد ربانية البشر”.

“إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية”، هذه هي الخلاصة التي وصل إليها سيد قطب “جاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية. إنها تُسنِد الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أربابًا، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة”.

وباستعراض بعض ما جاء في كتابات سيد قطب حول الحاكمية، نجدها تدور في فلك واحد وتنحو منحًى واحدًا يصب في محاولة إنضاج الشروط الذاتية والموضوعية لـ”الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر”. هذا الاستنباط الفقهي انتهى بسيد قطب إلى نتيجة واحدة تفيد بغياب المجتمع المسلم، بل وغياب الإسلام كدين وعقيدة وتشريع، حيث يقول: “… ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة … فالأمة المسلمة ليست “أرضًا” كان يعيش فيها الإسلام، وليست “قومًا” كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي… إنما “الأمة المسلمة” جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي… وهذه الأمة -بهذه المواصفات- قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعًا”.

إن تغيير هذا الواقع الذي يرفضه سيد قطب يتطلب تشكيل “طليعة ثورية” قادرة على إسقاط جميع الأنظمة التي لا تحكم، في نظره، بما أنزل الله، وهي الطليعة التي أطلق عليها قطب “العصبة المؤمنة”، وهي صورة مصغرة للمجتمع المسلم الخالص من شوائب الجاهلية والمحتكر للفهم الحقيقي للإسلام. هذه العصبة، يفترض قطب، أنها تعيش وسط مجتمع جاهلي افتقد الهوية الإسلامية وأفلت عنه شمس الإسلام.

ويمكن القول: إن خطورة فكر قطب في كونه جمع بين التأصيل الفقهي والحركي للتنظيم هو ما جعل النظام المصري ينتبه إلى هذا التنظيم ويقوم بإعدام أهم رموزه سنة (1966)، وعلى رأسهم قطب وعبد الفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش.

  1. أحمد بان: صفحات مجهولة من حياة سيد قطب. مقالة نشرت على موقع حفريات (2024).

 

  1. حلمي النمنم، سيد قطب وثورة يوليو (القاهرة: ميريت للنشر والمعلومات، 1999).

 

  1. سيد قطب، معالم في الطريق (القاهرة: دار الشروق، 1979).