سيف بن ذي يزن واستنجاده بالفرس
تعرضت اليمن عبر تاريخها الطويل للعديد من صور التسلط والاحتلال الأجنبي، ولعل من أبرز ما تعرضت له تسلط الأحباش واحتلالهم اليمن ردحا من الزمن، إذ يذكر ابن خلدون في تاريخه نقلًا عن رواية الكلبيّ: “أنّ السفن قدمت على النجاشيّ من قيصر، فحمل فيها الحبش ونزلوا بساحل اليمن، واستجاش ذو نواس بأفيال حمير فامتنعوا من صريخه وقالوا: كل أحد يقاتل عن ناحيته. فألقى ذو نواس باليد ولم يكن قتال، وأنه سار بهم إلى صنعاء، وبعث عماله في النواحي لقبض الأموال، وعهد بقتلهم في كل ناحية، فقتلوا”.
وبلغ ذلك النجاشيّ فجهز إلى اليمن سبعين ألفًا، وجعل عليهم أبرهة فبلغوا صنعاء، وهرب ذو نواس واعترض البحر فكان آخر العهد به، وملك أبرهة اليمن، وظل الأحباش يحكمون اليمن منذ نهاية عهد ذي نواس حتى أوائل القرن السادس الميلادي، وخلالها طغوا وتجبروا، وأرهقوا أهل اليمن، فبرز لهم سيف بن ذي يزن الحميري في محاولة لإنقاذ بلاده منهم، ولما كان الأحباش أقوى من أن يحاربهم وحده، التمس العون في بادئ الأمر من الروم، حيث ذهب إلى أنطاكية مقر ملك بيزنطة آنذاك.
وطلب من القيصر أن يُخرج الأحباش ويولي بلاد اليمن من شاء من الروم، إلا أن ملك الروم رده قائلاً بأن الأحباش نصارى مثل الروم ولن يساعده ضدهم، فتوجه إلى الحيرة وقابل عمرو بن هند ملك الحيرة وما يليها من أرض العرب، الذي كان يدين بالولاء للفرس فأخذه إلى كسرى أنوشروان ملك فارس، فقبل كسرى طلبه بعد تردد، وأرسل معه نحو 800 رجل أخلى سبيلهم من سجونه وهم أساسا محكومون بالموت وفي انتظاره، وقد عرفوا في تاريخ اليمن فيما بعد بالأبناء وهي تسمية تطلق على العناصر اليمنية ذات الأصل الفارسي، وأمَّر عليهم أحد قادته يسمى وهرز وحملتهم ثماني سفن وصلت منها ست إلى ساحل عدن.
وانضم إليهم كثير من العرب، وكان يقود الأحباش مسروق بن أبرهة، وانتصر سيف بن ذي يزن ووهرز على الأحباش في معركة حضرموت سنة 570م، وقد ألحقت اليمن ببلاد فارس وعين سيف بن ذي يزن ملكًا على اليمن على أن يدفع خراجًا في كل عام، واتخذ غمدان مقرًا لحكمه.
ولا تسعفنا المصادر التاريخية في الواقع بأي آثار مدونة أو مكتوبة عن تلك الفترة من تبعية اليمن لفارس حتى دخولها في الإسلام، والتي يمكننا من خلالها فهم الأوضاع السياسية لذلك العهد وحقيقته، ومما تجدر الإشارة إليه أن حكم الفرس لليمن لم يكن حكمًا فعليًّا واقعيًّا، فلم يكن ولاتهم يحكمون اليمن كلها، وإنما كان حكمهم حكمًا اسميًّا صوريًّا، اقتصر على صنعاء وما والاها، أما المواضع الأخرى، فكان حكمها لأبناء الملوك من بقايا الأسر المالكة القديمة وللأقيال والأذواء.