سليم الأول:

السلطان القاتل

أقل ما يُوصَف به السلطان العثماني سليم الأول أنه قاتل بدم بارد، أقرب للسيف منه للحلم والعفو. لقد استطاع بتلك الخصال أن يُخضع الجميع لسلطانه من القسطنطينية غربًا إلى القاهرة جنوبًا. لقد كان ميَّالًا لحل خلافاته بسفك الدماء، فقتل إخوته ووالده في صراعه على الحكم، ثم قتل سبعة من وزرائه لأسباب واهية تتعلّق بالإدارة واختلاف وجهات النظر، وكان كل وزير مهدَّدًا بالقتل لأقل هفوة، حتى صار يُدعى على من يُراد موته بأن يصبح وزيرًا له.

تولّى سلطنة الدولة العثمانية بعد نزاع مرير مع إخوته وانقلاب على والده السلطان بايزيد، وانتهى النزاع بتنازل والده له بالحكم بدعم من الإنكشارية، لكنه لم يكن تنازلًا سلميًا، فقد قتل السلطان وهو في طريقه لمنفاه الاختياري.

لكن الحكم لم يأتِ هكذا، بل جاء بعد صراع مرير اقتضى من سليم الأول أن يقتل ويعزل ويطارد ويحيك المؤامرات. لقد أظهر السلطان سليم منذ بداية حكمه ميلًا إلى تصفية خصومه ونفيهم ومطاردتهم أينما كانوا، كي لا يشكّلوا عليه خطرًا مستقبليًا، حتى ولو كانوا من إخوته أو أبنائهم.

من انقلاب القصر إلى مشانق القاهرة… حكاية سلطان اعتلى العرش فوق جثث أهله ووزرائه.

وقبل قفزه على عرش السلطنة أبرم السلطان سليم اتفاقًا مع الإنكشاريين ليقودوا معه الانقلاب على أبيه وإخوته. لقد فهم أنه بدون دعم السلطة العسكرية الأكثر نفوذًا في بلاده، وهم الإنكشاريون، فلن يصل للحكم، وهو من أصغر إخوته. وما إن اعتلى العرش، كما يورد ذلك الكاتب رجائي عطية في مؤلفه “دماء على جدار السلطنة”، “حتى قام بتوزيع المكافآت عليهم – الإنكشاريين – حسب المعتاد”، وهو أمر يبدو مفهومًا، فهم الآن شركاء في حكمه، وأصبح لزامًا عليه إعطاؤهم الأموال والهبات، لكن الأمر لم يتوقف على ذلك، فقد أطلق أيديهم في القتل والسلب والنهب، وهو ما تشهد به قاهرة المماليك التي استُبيحت على يد الإنكشاريين بعد احتلال مصر، فأقاموا المشانق والخوازيق، وأطالوا القتل والترويع.

مصير مصطفى باشا لا يختلف عن مصير إخوة السلطان:

لقد كان “مصطفى باشا”، الوزير الأول أو ما يُسمّى الصدر الأعظم، أحد أبناء القصر السلطاني، وربيب السلطان بايزيد، إذ بدأ حياته العملية كحارس لبوابات قصر طوپ قپو، ثم عمل رئيسًا للتشريفات في حفلات استقبال السفراء الأجانب، إلى أن عُيِّن بمنصب الصدر الأعظم قرب نهاية عهد بايزيد الثاني. ومع أن السلطان سليم الأول اعتلى عرش بلاده، وعيَّن ابنه “سليمان” حاكمًا للقسطنطينية، إلا أن السلطنة بقيت في حال فوضى وصراع مرير. ولحسم ذلك، قام السلطان سليم بالبحث عن إخوته – الذين استمروا في معارضته ومحاولة الانقلاب عليه – في كل تركيا، لكنهم هربوا بعدما علموا عن نيّته قتلهم مع أولادهم. ووصل إلى أخيه أحمد في أنقرة، لكنه لم يتمكّن من القبض عليه.

ومن هنا تبدأ نهاية مسيرة “مصطفى باشا”، إذ شكّ السلطان سليم في أن وزيره يفضّل أخاه “أحمد” عليه، ويمدّه بالمعلومات حتى تمكّن من الهرب، لوجود علاقات قديمة بينه وبين الوزير مصطفى باشا، الذي كان يُخبره بمقاصد السلطان. ولما علم السلطان سليم بهذه العلاقة، قتل الوزير شرَّ قتلة.

قتاله للصفويين تصفية حسابات وليس دفاعًا عن العرب السُّنّة:

عمليات القتل التي طالت الأمراء العثمانيين والوزراء في عهد سليم الأول، كانت نتيجة الفوضى العارمة التي أصابت السلطنة، حتى إن الأمراء من أبناء السلطان بايزيد، والد السلطان سليم، تحالفوا مع الشاه “إسماعيل” الصفوي ضد والدهم، وتآمروا عليه سعيًا للوصول إلى سدّة الحكم. لكن السلطان سليم حسم الأمر لصالحه، بعدما تأكّد له أن الشاه إسماعيل لم يكتفِ بالتدخل في الصراع قبل تولّيه السلطنة، بل وحتى بعد ذلك، عندما قام بإيواء أبناء أخيه أحمد، ثم حاول التآمر ضدّه بالتحالف مع المماليك.

ولعل هذا هو السبب في حربه على الصفويين، وليس كما يدّعي المؤرخون المتأتركون بأنه دفاعًا عن المسلمين السُّنّة، فهو لم يقم بالدفاع عن العرب السُّنّة في الأندلس، ولذلك فإن حربه ضد إسماعيل الصفوي كانت تصفية حسابات لا أكثر.

  1. فاتح آقجه، السلطان سليم الأول (إسطنبول: دار النيل، 2000).

 

  1. رجائي عطية، دماء على جدار السلطة (القاهرة: دار الشروق، د.ت).

 

  1. محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العلية العثمانية (بيروت: دار النفائس، 1981).