سابور الثاني ذو الأكتاف

يعد سابور الثاني من ملوك الفرس الذين وُجِّهُوا بالمُلك وهو في بطن أمه، فأبوه هرمز ملك الدولة الساسانية، وقد ورث سابور العرش والسواد الأعظم من البلاد في العراق وأجزاء من بلاد إيران، تحت سيطرة العرب الذين استقروا فيها، ونظرًا لما آلت إليه إمبراطوريتهم من أطماع الروم وغيرهم، خرج وهو في سن مبكرة للقتال، وكل من وقع تحت سلاحه خلع كتفه ولذلك عُرف بذي الأكتاف في دلالة على جبروته وهو يُمَثِّلُ بأسرى الحروب وقتلاها.

أما الفرس في عهد سابور الثاني، فلم تكن لهم حال بعينها، ولكن سادت بينهم الانقلابات والحروب ضد العرب، فمثلًا حملته على البحرين وساحل الخليج، كانت جزءًا من حملة عسكرية موسعة وضعها للقضاء على نفوذ القبائل العربية التي سكنت السواحل الجنوبية من إيران، وقد وصل العرب إلى إيران عن طريق البحر، وأقاموا بها واستقرت أحوالهم قبل سابور الثاني بزمن.

وكانت الدولة الفارسية وقت استقرار العرب، في ضعف وتناحر بين قادتهم، وعندما انتقل الحكم إلى سابور أعاد السلطة المركزية للدولة، وشن حربًا على الإقطاعيين ومن نازعوه على السلطة، وجاءت حملته الأولى على عرب إيران حملة شديدة عنيفة، ثم نزل نحو الجنوب فعبرت جيوشه إلى البحرين والسواحل العربية المقابلة، فأوقع بالعرب ما أوقع بهم من بطش وجبروت، إذ زحف أهل ساحل الخليج من الخط والبحرين وكاظمة وعمان، إلى السواحل المقابلة: السواحل الجنوبية من أرض الفرس.

كما نزحوا إليها من مملكة ميسان، فتوغلوا شرقًا إلى عيلام، أي خوزستان ثم الأقسام الجنوبية من فارس، ولقد حدد ذلك كورتيوس روفوس، الذي عاش في النصف الأول من القرن الثالث للميلاد عندما كتب: “إن العرب كانوا إذ ذاك في كرمان وفي فارس، ولا بد وأن يكون وجودهم في هذه الأماكن قبل هذا العهد بأمد طويل، وذلك يؤيد ما جاء في تاريخ الطبري وغيره من وجود العرب في إيران قبل قيام حكومة الساسانيين.

وقد أنشأ “سابور” أسطولاً قويًّا في الخليج العربي، ليحافظ على حدود إمبراطوريته، و على التجارة في هذا الماء، مع مساهمة أهل الخليج العرب أنفسهم في ركوب البحر وفي نقل التجارة ما بين الهند وسيلان وجزيرة العرب والعراق.

وتؤكد بعض من الروايات التاريخية، ومنها المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ومن روايات أهل الأخبار أن سابور نفسه كان في الأسطول الذي وصل إلى البحرين للانتقام من العرب الذين كانوا يهاجمون سواحل حكومته الجنوبية المطلة على الخليج.

وفي رواية نقلها المؤرخ العراقي الطبري قال فيها: “إن سابور، بعد أن أثخن في العرب وأجلاهم عن النواحي التي صاروا إليها، مما قرب من نواحي فارس والبحرين واليمامة، استصلح العرب، وأسكن بعض قبائل تغلب وعبد القيس وبكر بن وائل كرمان وتوج والأهواز، وقد كان ذلك بعد حربه مع الروم، والظاهر أن الأوضاع السياسية اضطرته إلى استصلاح العرب، بعد أن تبين له صعوبة الاستمرار في سياسة العنف والقوة إلى أمد غير معلوم، وبعد ما وجد من خطر في الاستهانة بشأن القبائل، ولا يستبعد أن يكون للدرس الذي تعلمه من “أذينة” نصيب في هذا التبديل الذي أدخله على سياسته.

وتبين تلك الروايات أنها كانت حملات واسعة ، شملت أراضٍ بعيدة، بدأت بمن نزل أرض فارس من العرب، وفي رواية المؤرخ السوري أميانوس عن حروب سابور الثاني تأييد لرواية الطبري عن تلك الحروب وتوثيق لأكثرها.

وقد وقعت تلك الحروب الوحشية  في أرض أغلب سكانها من عشائر عربية …..