سنباذ أو سنباذج

في المعجم الموحَّد للمصطلحات الجيولوجية “سنباذج” بمعان سنفرة – ورق سنفرة – ورق مرمل – ورق الزجاج – ورق حك – يحلق حلقًا، ويستخدم لصقل السطوح الخشنة، وفي قاموس معاجم اللغة حجر المسن، جنْسُ صَخْر مُركّب مِن حُبَيْبات ومُحْتَوٍ على وَسَخ مِن أُكسيد الحديد، يُستَعملُ مَسحوقُه في صَقْل المَعادن والحجارة والبلّوْر والأَخْشاب، وَرَق سُنْباذَج “مسحوق شديد الصَّلابة ينجم عن تحطيم حجر القُرْنُد، يُستعمَل في صقل المعادن والأخشاب وحكِّها”، تلك الصفات قد تكون نصيبًا لمن يحمل اسم “سنباذ”، وكيف إذا كان مجوسيًّا.

يذكر نظام الملك في سياسته أن خراساني -ويقصد أبا مسلم الخراساني- قد فوَّض سلطته وخزائنه في الري إلى سنباد قبل السفر إلى بغداد، حيث قُتل في النهاية بأمر من الخليفة العباسي الثاني المنصور، وكان سنباذ صديقًا ومقرَّبًا.

قال الذهبي: “فرِحنا بمصير الأمر إلى بني العباس، ولكن والله ساءنا ما جرى؛ لما جرى من سيول الدماء، والسبي، والنهب، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فالدولة الظالمة مع الأمن وحقن الدماء، ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم، وأنى لها العدل؟ بل أتت دولة أعجمية خراسانية جبارة، ما أشبه الليلة بالبارحة”، وقال: “وقد كان بعض الزنادقة، والطغام من التناسخية اعتقدوا أن الباري سبحانه وتعالى حلَّ في أبي مسلم الخراساني المقتول، عندما رأوا من تجبُّره، واستيلائه على الممالك، وسَفكِه للدماء، فأخبار هذا الطاغية يطول شرحها”.

لما قُتل أبو مسلم الخرساني خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم، وكان سنباذ مجوسيًّا، فغلب على نيسابور والري، وظفر بخزائن أبي مسلم، واستفحل أمره، فجهَّز المنصور لحربه جمهور بن مرار العجلي، في عشرة آلاف فارس، فانهزم سنباذ، وقُتِل من عسكره نحو من ستين ألفًا، وعامَّتهم كانوا من أهل الجبال، فسُبِيَت ذراريهم، ثم قُتِل سنباذ بأرض طبرستان.

من أفعال سنباذ أنه خرج من أرض الواقع الدامية قتلًا ونهبًا إلى الخيال والتصورات الشيطانية فأصبح هاجس هدم (الكعبة المشرفة) بيت الله المُعظَّم، ولا أقول حلمًا، ولكنه كابوس يُراوِدُه، ببصيرة الحاقد الطاغي، حقدًا وكيدًا، والتاريخ مليء، بل فائض بالكذب والخداع والمكر الفارسي المجوسي بالعرب والمسلمين، وكانت بلاد فارس منبع الفتن، والفِرَق الضالّة التي فتَّت في عضد الدولة الإسلامية.

من الأحوال العجيبة للفرس اتخاذ صفات ومكانة لا يتقبَّلها عقل عاقل، ومنها عندما أخذ أبو مسلم بعد قتله صفة دينية، فالمسلمية — وهم أصحابه — يعتقدون إمامته، ويقولون: إنه حي يُرْزَق، وإنه سيخرج إليهم، وعلى هذه العقيدة قام إسحاق التركي أحد أصحاب أبي مسلم، وادَّعى أن أبا مسلم رسول بعثه زرادشت صاحب دين الفرس.

والأدهى من ذلك أن الغلاة منهم اعتبروا أن الفرس دانوا بدِين العرب بعد الفتح وتَسمَّوْا بأسمائهم وتعلَّموا لغتهم، وهجروا الخط الفارسي واصطنعوا الحروف العربية، وأصبحت اللغة الفارسية بعد الفتح غيرها قبله؛ لكثرة ما دخل عليها من الألفاظ العربية، فالفرس أصبحوا مطبوعين بطابع الروح العربية ومأخوذين بسحرها، إلا ما اقتضته طبيعة العِرق والإرث من طراز التفكير والفهم والحس والخيال، لذلك يحاول غلاة الفُرْس أن يستعيدوا مُلكَهم ودينهم ولغتهم؟! ملك آل ساسان، والعودة للمجوسية وغيرها من معتقداتهم.

خلاصة ما تقدَّم:

إن ثورات كثيرة شغلت أبا جعفر المنصور – ومن بينها كما سبق ذِكرُه – ثورة سنباذ عام 137هـ، التي أشعلها سنباذ المجوسيُّ حتى يثأر من مقتل أبي مُسلم الخراسانيّ، وقد التفَّ حوله عدد كبير من أهل خراسان، واستطاعوا الهجوم على الرَّيّ، وقومس، ونيسابور، وسَبوا النساء، وقتلوا الرجال، كما أنَّهم غالَوا في تهيئتاهم؛ إذ قالوا إنَّهم ذاهبون لهدم الكعبة، فما كان من المنصور إلّا أن أرسل إليهم جيشًا بقيادة جمهور بن مرّار العجليّ الذي هزمهم، وقضى على ثورتهم.

والمضحك أنه جاء العكس بلاءً آخر، وهو أنَّ المنصور قد واجه حركة الراونديّة، وذلك في عام 141هـ، وهم قوم اعتبروا أنَّ المنصور هو الإله الذي يُطعِمُهم، ويَرزقهم، وعندما رفض المنصور أفكارهم، وأمرهم بالابتعاد عنها، انقلبوا ضِدَّه، وثاروا عليه، وأعلنوا الحرب عليه، فقاتلهم الخليفة بنفسه، وانتصر هو ومن سانده من الناس على تلك الحركة، قاتلهم الله…