بعض المؤرخين

صنعوا من سرديَّات العثمانيين الأتراك تاريخًا مقدسًا

تناول بعض المؤرخين الأتراك والعرب السلاطين العثمانيين بصور فيها الكثير من المبالغة حتى أوصلوهم لدرجة القدسية ووضعوا حولهم هالات من العظمة والجلالة التي لا يمكن للقارئ النظر إلا من خلالها، فطغت الصورة المقدسة للسلطان عن ما كان يرتكبه من مخالفات عقدية وشرعية بحجة أنه ظل الله في الأرض،  وحامي ديار الإسلام وحامي الحرمين الشريفين وإلى غير ذلك من تلك الصيغ التبجيلية والتفخيمية،  فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ السلطان محمد الثاني ، الذي أطلق عليه حاجي خليفه لقب “أبو الفتح  و الفاتح”، وعندما سرد سيرته وحياته هو وغيره من المؤرخين، كانت عبارات التبجيل والتفخيم تعج بها صفحات كتبهم، فالمؤرخ البكري الصديقي هو  من أعيان القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين يقول عن محمد الثاني :” كان من أجلّ ملوك آل عثمان ، وأكثرهم جهاداً للكفرة، أهل الطغيان. كان متوكلاً على الله سبحانه وتعالى، وهو أساس ملك هذه الدولة العثمانية، ورتب قوانينها، والمشي عليها إلى الآن.. وقد فتح قسطنطينية الكبرى . . وصلى في أكبر كنائس النصارى الجمعة، وهي أيا صوفية. وهي تسامي قباب السماء.. “. ويقول آخر عنه :” كان أعظم أمله هو تحقيق نبؤة الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح القسطنطينية وجعلها عاصمة لدولته ..” ، وإلى غير ذلك من أن محمد الثاني  هو المقصود بالحديث الشريف. بينما نجد أن المؤرخ التركي خليل اينالجيك يقول بكل واقعية ومصداقية:” تمكن الشاب محمداً الثاني ومستشاريه .. من إنجاز خططهم لأجل مزيد من التوسع. لقد كان الهدف الرئيسي لمحمد الثاني إحياء دولة جدّه بايزيد الأول،.. إلا أن محمد الثاني كان يختلف عن جدّه في أن أراد خطوته الأولى باتجاه القسطنطينية، لأنه أدرك أن هذه الخطوة يمكن أن تؤمن له المكانة اللائقة والسمعة اللازمة لإنشاء إمبراطورية”.  ومن هذا النص يمكن أن يستوعب القارئ أن الهدف من فتح القسطنطينية هدف جيوسياسي ولم يكن هدفا دينيا كما صوره الكثير من المؤرخين الذين صبغوا ذلك التوسع من الناحية الدينية والعاطفية.     

ومع ما اكتسبه محمد الثاني من شهرة ومكانة في تاريخ الدولة العثمانية إلا أنه لم يخل من بعض الانحرافات البدعية والتي فيها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أنه أمر ببناء مسجد وقبة على قبر أبي أيوب الأنصاري الصحابي المدفون عند أسوار القسطنطينية مع التحفظ على اكتشاف قبره وصحة ذلك لدى المؤرخين ، ولكن الأمر ببناء مسجد على القبر  أيً  كان تعد مخالفة وبدعة في دين الله.

انتقادات وتصحيحات: النظرة الواقعية لخليل اينالجيك.

ومن جهة أخرى من خلال تتبع الطبقة السابعة من علماء الدولة العثمانية في عهده والذين نالتهم منه حظوة سوف نجد أن عدد غير قليل منهم قد سلك مسلك  التصوف بطرقها المختلفة بل بعضهم زعماء لطرقها ويذكر عصام الدين أحمد طاشكبرى زاده في كتابه ” الشقائق النعمانية:” بعضا من أتباع فضل الله التبريزي رئيس الطائفة الحروفية الضالة نال خدمة السلطان محمد خان ، وأظهر من معارفه المزخرفة حتى مال السلطان محمد خان، وآواه مع اتباعه في دار السعادة، واغتم لذلك الوزير محمود باشا غاية الاغتمام ، ولم يقدر أن يتكلم في حقهم شيئا  خوفًا من السلطان” . ويفهم من ذلك أن محمد الثاني كان يكن احترام لتلك الفئة المنحرفة من المتصوف، بل يقضي الوقت في مسامرتهم بدرجة كبيرة مما يرسم لنا علامة استفهام كبيرة في السلطان الفاتح، الذي لمعت صورته بشكل كبير من المؤرخين حتى بلغت  إلى درجة القدسية.

  1. حاجي خليفة: فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ والأخبار، تحقيق: سيد محمد سيد(أنقرة: مؤسسة العالي آتاتورك للثقافة واللغات والتاريخ، 2009م).

 

  1. طلال الطريفي: العثمانيون التاريخ الممنوع،ط2( الرياض: دار ائتلاف، للنشر، 2020م).

 

  1. عصام الدين أحمد طاشكبرى زاده: الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، تحقيق: سيد محمد طباطبائي بهبهاني(طهران: مركز الوثائق والمكتبة والمتحف، 2010م).

 

  1. خليل اينالجيك: تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الإنحدار، ترجمة: محمدالأرناؤوط(بيروت: دار المدار الإسلامي، 2002م).

 

  1. محمد بن أبي السرور البكري الصديقي: المنح الرحمانية في الدولة العثمانية، تحقيق: ليلى الصباغ( دمشق: دار البشائر، مطبةعات مركز جمعةالماجد للثقافة والتراث، 1995م).

 

  1. نجم الدين بيرقدار: العثمانيون حضارة وقانون(بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2014م).