بدءًا من تاريخهم القديم

نَهَج الفرس على تحويل أرض العراق مسرحًا لصراعاتهم العسكرية في المنطقة

منذ العصور القديمة مرورًا بالوسطى، وحتى التاريخ الحديث والمعاصر، كانت الأطماع “الفارسية” الإيرانية -ولا تزال- تتجه إلى المنطقة العربية، وأكثر من عانى من نار هذه الأطماع من الوطن العربي؛ العراق. ولعل حدود العراق المشتركة مع إيران فرضت الواقع المتوتر بينها وبين العراق.

وخلال التاريخ القديم كانت فارس متقدمةً مقارنة بالعراق العربية بقوة جيوشها البرية، ذلك جعل بلاد الرافدين مسرحًا لعددٍ من الحملات العسكرية الفارسية، سواء من أجل السيطرة أو باعتبارها محطةً لجيوش الفرس في طريقها إلى الشام ومصر.

لذا وَقَعَت العراق منذ فترة مبكرة قبل الميلاد ضحيةً للصراع العسكري بين الإسكندر المقدوني والفرس، ثم تجدد واقعها بحسب صراعات الفرس مع جميع الأطراف المتصلة بها من الغرب، ومنها الصراع العنيف تاريخيًّا بين فارس وبيزنطة؛ ذلك ما أدى إلى خراب مرحلي في المنطقة.

ابتدأ الخطر الفارسي على العراق مع تأسيس الدولة الإخمينية في إيران؛ إذ عمد قورش مؤسس الدولة إلى التوسع غربًا، ومن ثم كانت بلاد الرافدين محطة أولى له في صراعاته الغربية، خاصةً أنها سهلت على جيوشه الحروب البرية، لذلك اندفع قورش إلى اجتياح العراق والوصول إلى نهري دجلة والفرات.

اعتاد الفرس على جعل العرب عدوًا دائمًا لهم منذ بداية الدولة الإخمينية.

نجح قورش وجيوشه في عبور النهرين والوصول إلى مدينة بابل عاصمة الدولة البابلية، وقام بفرض حصاره عليها، إلا أن مجرى نهر الفرات الذي كان يحيط ببابل كان سدًّا طبيعيًّا مانعًّا للمدينة؛ إذ تحصن البابليون به وحال دون اندفاع قورش داخل بابل.

رضخ قورش لهذا الحصن الطبيعي تجاه بابل، لذا لجأ إلى حيلة تحويل مجرى الفرات عن المدينة قاطعًا إمدادات المياه كي يجف المجرى ويتحول إلى وادي ليصبح طريقًا بريًّا لاندفاع جيوشه إلى داخل المدينة. وبذلك استطاع الاستيلاء على بابل في عام (539 ق.م).

منذ ذلك الوقت عانى سكان بابل من حكم الفرس وتعسفهم، وزاد الأمر سوءًا أن أصبحت بابل منطقة صراع بين الفرس والإغريق، خاصةً عصر الملك دارا والإسكندر الأكبر، ونتيجةً للتعسف الفارسي رحب البابليون بقدوم الإسكندر وجيوشه ليخلصهم من بطش الفرس.

ولم يهدأ الفرس في فترات قوتهم من محاولة افتراض واقع الصراع مع العراق، لذلك بعد أن أسسوا الدولة الساسانية عادت أطماعهم في بلاد الرافدين، وتؤكد المصادر التاريخية أن أردشير مؤسس الدولة الساسانية مدَّ نفوذه إلى بلاد العراق، ما أدى إلى هجرة قبائل تنوخ من بلاد الرافدين كراهية منهم للخضوع إلى سلطان الفرس.

ويسوق رائد الدراسات الفارسية المؤرخ عبد الوهاب عزام قصةً من الأدب الفارسي تدل على كراهية خضوع العرب للسيطرة الفارسية، إذ يذكر أنه في عهد سابور الأول (241- 272م) أغار ملك الحضر بالجزيرة الفراتية الضيزن بن معاوية القضاعي المعروف باسم “الساطرون” على فارس، وأسر أخت سابور، وفي روايات أخرى عمته، وردًا على ذلك شن سابور هجومًا على بلاد الرافدين، واحتل مدينة الحضر. كما قام بعملية تهجير قسري للكثير من العرب بنقلهم ليعيشوا في بلاد فارس.

ويُذكَر أن العرب قد أطلقوا عليه “سابور ذو الأكتاف”، ويرجح المؤرخ الأرمني هوما كاتوزيان أن هذا اللقب جاء إشارة إلى أمر سابور بثقب أكتاف الأسرى العرب ليربطهم بالحبال من خلالها.

وتشير المصادر إلى أن الرعايا العرب ثاروا على الدولة الساسانية قبيل الفتح الإسلامي للعراق. ومن هنا وقف العرب إلى جانب الفاتحين المسلمين، ما سهل سرعة وسهولة انتصار المسلمين في معركة القادسية.

  1. إبراهيم زرقانة وآخرون، حضارة مصر والشرق الأدنى القديم (القاهرة: مكتبة مصر، د.ت).

 

  1. حسن بيرنيا، تاريخ إيران القديم من البداية حتى نهاية العصر الساساني، ترجمة: محمد نور عبد المنعم، والسباعي محمد السباعي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2013).

 

  1. عبد الوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2012).

 

  1. هوما كاتوزيان، الفرس: إيران في العصور القديمة والوسطى والحديثة، ترجمة: أحمد حسن المعيني (بيروت: دار جداول، 2014).