سليمان باشا العثماني

لم تكن حُجَّة قتال البرتغاليين كافية للجيش العثماني لاحتلال اليمن عسكريًّا، فإن المفترض أن يُقاتِل العثمانيون البرتغاليين في أي مكانٍ دون اعتداءٍ على اليمن وأهلها، ولم يَقُم العثمانيُّون بدعم اليمنيِّين في حربهم ضد البرتغاليين، والسيطرةُ عسكريًّا على موانئ بلدٍ آخر – عدن، المخا – بحُجَّة قتال بلدٍ ثالثٍ أمرٌ غير مقبولٍ شرعًا ولا سياسة، حسبما أورده العديد من مؤرِّخي الحقبة التاريخية.

ولقد كانت رسالة القانوني إلى سليمان باشا والي مصر تأمره بقتال البرتغاليِّين في الهند، فلم يكن هناك داعٍ لتغيير المسار بقتال المسلمين في اليمن والغدر بهم، لقد أدَّت تلك السياسة إلى تَنامي روح المقاومة عند اليمنيِّين ضدَّ العثمانيِّين، وكان الضحايا من الطرفين، وكثرة الضحايا أدَّت إلى نموِّ دوائر الانتقام، ويربط بعض المؤرخين تلك الأحداث بحوادث وأخبار عن الحكم العثماني للشام، ثم مصر، فالحجة الشرعية لسليم الأول في حكم البلدين لم تكن مقنعة، ولم تكن الطريقة شرعيَّة كذلك، ولا ينبغي توحيد بلاد الإسلام عن طريق سفك دماء المسلمين.

تُعتبر حملة سليمان باشا على اليمن والهند من الحملات التي اختلف المؤرِّخون في تقييم نتائجها، فالهدف الرئيس لها لم يتحقَّق، وهو هزيمة البرتغال في سواحل الهند، وبلاد الحجاز والحرمين فيها قبلها؛ بل لم تقم علاقات جيِّدة مع مسلمي الهند تَكفُل النجاح لحملاتٍ أخرى، وتعاوُن إسلامي ضد الصليبيين مثلًا، ومع ذلك فقد حققت الحملة نجاحًا عسكريًّا في اليمن للعثمانيين، ذلك النجاح لم يكن خالصًا؛ لأن الطريقة المخادعة التي سلكها سليمان باشا من أجل السيطرة على اليمن، ووجود قوى كثيرة متعارضة في اليمن، ثم الإدارة المتعسِّفة للبلد بعد ضمِّه للدولة العثمانية، كل ذلك جعل اليمن مضطربًا إلى حد كبير، ولن تكون القيادة العثمانية لهذا القطر آمنةً فيها على مدار القرون القادمة.

عاد سليمان باشا إلى اليمن في فبراير 1539م، ووسَّع من دائرة سيطرته على الجنوب اليمني، وجعل له عدَّة قواعد على خليج عدن، خاصَّةً في مدينتَي عدن والمُخا، وكذلك في المناطق الداخلية مثل مدينة زَبِيد غرب اليمن، وتلك كانت نواة تأسيس ولايةٍ عثمانيَّةٍ جديدة هي ولاية اليمن.

كانت السنوات التالية للتواجد العثماني في اليمن سيئ على الدولة العثمانية، وقد وصف دفتردار مصر أحمد حلبي حجم المأساة، وهو يخاطب داود باشا والي مصر بعد سليمان باشا، فيقول: “ما رأينا مسبكًا – فُرنًا يُستخدَم لصهر المعادن- مثل اليمن لعسكرنا، كلَّما جهَّزنا إليه عسكرًا ذاب ذوبان الملح، ولا يعود منه إلا الفرد النادر، ولقد راجعنا الدفاتر في ديوان مصر من زمن إبراهيم باشا إلى الآن (1546م)، فرأينا أنه قد جُهِّز من مصر إلى اليمن في هذه المدَّة ثمانون ألفًا من العسكر، لم يبقَ منهم في اليمن ما يكمل سبعة آلاف نفر”.

ومن المنطقي أن العشرات من الآلاف من قتلى العثمانيِّين لم يكونوا بلا مقابلٍ من الطرف اليمني، بل من المؤكَّد أن قتلى اليمنيِّين أكثر؛ لكون الأتراك أقوى تسليحًا، وأوفر عدة وعتادًا؛ لأنهم كانوا يستعملون البنادق في وقتٍ لم يَعرِف فيه أهل اليمن البارود.

ومع ذلك كله تعامَل السلطان القانوني مع نتائج الحملة تعامُلًا لم يكن مناسبًا، وذلك رأي مؤرِّخي الفترة، حيث إنه لم يُجْرِ التحقيق بشكلٍ جِدِّي في المسألة، ولم يُعاقِب سليمان باشا على إخفاقاته، ولا على أسلوبه المغاير لطبيعة المعارك العثمانية، بل على العكس جعله يترقَّى في المناصب حتى صار الصدر الأعظم للدولة من 1541 – 1544م، ورجَّحوا عدم تعامل السلطان مع الأمر بالصورة المناسبة لانشغاله بحروب كبرى في ذلك التوقيت مع البندقية، والمجر، والنمسا، والڤاتيكان، لكن بطبيعة الحال لا يعفيه من المسئوليَّة كحاكم يدافع عن بلاد المسلمين، وكانت حروب العثمانيين ضد البلاد العربية فيها الكثير من الجَور، لا سيما مع كثرة الولاة الأتراك، وتعيين حتى القضاة منهم وفي المناصب المهمة، وأن يديروا كل الدوائر من خلالهم، وكتابة التقارير، وخاصة المالية، وجمعها بفرض الضرائب بالقوة، ولم تكن الحجاز بمنأىً عن تلك الممارسات، بل نالت نصيبها، والأماكن المقدسة تم انتهاكها دون مراعاة لقداستها.

وكخلاصة هناك رأي قال:

“وتلك المظالم والأخطاء الشرعيَّة هي السِّرُّ الأكبر وراء تعثُّر الخطوات العثمانيَّة في اليمن”.