سليمان القانوني

حملاته العسكرية تجاه اليمن والهند؟

ذهبت رسالة السلطان سليمان القانوني إلى والي مصر سليمان باشا، والأمر فيها بالتوجُّه بحملة عسكرية باتجاه اليمن والهند، حيث كتب فيها، وقد ذكر ذلك صاحب كتاب “تحفة المجاهدين في أحوال البرتغاليين” فقال: «عليك يا بيك البكوات إعداد العدَّة في السويس للجهاد في سبيل الله، حتى إذا تهيَّأ لك إعداد أسطول، وتزويده بالعتاد والميرة والذخيرة، وجَمْع جيشٍ كافٍ، فعليك أن تخرج إلى الهند، وتستولي وتحافظ على تلك الأجزاء، فإنك إذا قطعت الطريق، وحاصَرت السبيل المؤدِّية إلى مكة والمدينة، تجنَّبت سوء ما فعل البرتغاليون، وأزَلتَ رايتهم من البحر».

يلاحظ أن التوجيه فيه الجهاد في سبيل الله ضد البرتغاليين، والمحافظة على مكة والمدينة، والوصول إلى اليمن، ومنها التواجد في أرض الهند فيما بعد، وقد ذكر تلك الأسباب سهيل صابان في بحثه “نظرة عامة في السياسة العثمانية لتثبيت الحكم باليمن من واقع دفاتر المهمة 967-999هـ/ 1559- 1591م، أوضح الكيفية التي تم إرسال الجنود من مصر إلى اليمن، وكيفية توفير السفن اللازمة لنقل العساكر إلى اليمن، والرواتب المخصصة من الدولة لهم، ومدة الخدمة النظامية فيه، وكيفية حفظ السواحل اليمنية، والسفن التي وظفتها الدولة للبقاء في تلك السواحل، ولكن هناك أهداف أبعد وحملة سبقت ذلك التثبيت وصراع في الثلاثينات من نفس القرن الميلادي سيتم عرضها.

ذكرت المصادر تحرُّك سليمان باشا والي مصر بأسطولٍ عثمانيٍّ من ثمانين سفينة، ويحمل حوالي أربعين ألف مقاتل، ومزوَّد بالمدفعية والبنادق، ووصل الأسطول إلى ميناء عدن في اليمن، وكان من أهمِّ الموانئ في المنطقة، قد تكون الأعداد مبالغ فيها لكن توجُّه الحملة تم.

وكانت اليمن تعيش فوضى سياسيَّة، تنازَع الحكم فيها قوًى كثيرةٌ محلِّيَّة، ومنها بقايا الدولة الطاهرية، والدولة الزيدية، إضافة إلى بقايا مملوكيَّة، والقوات البرتغاليِّين التي تباغت البحر الأحمر لأهداف كثيرة.

ونجد في المقابل أن المؤرخ قطب الدين النهر والي، كمعاصر لتلك الأحداث، وكان المؤرِّخ الرسمي للدولة العثمانية، قد وثق في مؤرخه “البرق اليماني في الفتح العثماني»، وهو الكتاب الذي أهداه للدولة العثمانية ومحفوظ في أرشيفها، قال النهر والي: «لما توجَّه سليمان باشا من جدة، قصد المرور بعدن، وكان صاحبها يومئذٍ عامر بن داود، بقية من بني طاهر ملوك اليمن سابقًا، ولم يبقَ في يده من مملكة أسلافه بني طاهر إلا قلعة عدن من سائر ممالك اليمن، وكان شابًّا كريمًا، جوادًا حليمًا، مُحسنًا إلى الناس، باسطًا لهم وجه اللطف والإيناس، يُعظِّم الشرع الشريف ولا يخرج عن حكمه، ويُوقِّر مَنْ وفد إليه من العلماء ويُكرمه لعلمه، إلى غير ذلك من الخصال الجميلة، والخصال الحسنة الجليلة، الشاهدة له بكرم أصله، وجودة فضله ووصله، فلمَّا بلغه وصول سليمان باشا للغزو في سبيل الله، وقطع جذور الإفرنج عن الإضرار بعباد الله، فتح له باب عدن، وأمر أن تُزَيَّن، وجمع له من البلاد ما أراد من الأزواد، وتوجَّه هو ووزيره للسلام عليه إلى الغراب – نوع من المراكب- الذي هو فيه.

فبمجرَّد أن رأى سليمان باشا باب عدن قد فُتِحَ أمر عسكره بدخول عدن وأخذها، فلمَّا وصل إليه عامر ألبَسه ومن معه خلعًا، ثم أمر بصلبهم على الصاري في الغراب الذي هو فيه، ونهب العسكرُ داره، ثم شرعوا في نهب البلد… وشاع غدرُه بصاحب عدن في أطراف البلاد، وأكناف العباد، وسبقه خبرُ هذا الغدر إلى بنادر الهند، ونفرت خواطر الناس منه، ولما بلغ أهل الهند فِعلُه بعامر زاد نفورهم منه، وكان ذلك سببًا لعدم مساعدتهم له على الفرتقال – يقصد البرتغال- وكتب على باب عدن أنه افتتح هذه البلاد في سنة خمسة وأربعين وتسعمائة…».

لقد كان استقرار الولايات العثمانية زمن القانوني: مصر، والشام، والحجاز، والعراق؛ أمر مرهق للدولة؛ لأنها تعتمد على جمع الضرائب التي تُحصِّلها من التجار الوسطاء الذين يحملون البضائع منها إلى أوروبا، ونظرًا لقيام البرتغال بذلك الدور عبر رأس الرجاء الصالح، وقد حُرِمَت الدولة من مصادر دخل مهمة، علاوة على تعاون البرتغاليين مع الدولة الصفوية، ويعتبر تحالُفهم خطرًا ضدَّ العثمانيين، فكان على الدولة العثمانية أن تأخذ دورًا إيجابيًّا في هذه المسألة، وقد جاءتها الفرصة في عام 1538م.

وللأحداث بقايا مهمة……