السلطان عبد الحميد

المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل !!

إذا كان جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا هو من قطع وعدا للحركة الصهيونية بإنشاء فلسطين العام 1917م وسُمِّيَ بعد ذلك “وعد بلفور”، فإن المؤسس الحقيقي لدولة إسرائيل هو السلطان عبد الحميد الذي كانت فلسطين تخضع لحكمه وإدارته المباشرة، فلسطين التي قايض بها اليهود في محاولة منه للحفاظ على بلاده المنهارة، وهو فعل ليس بالجديد على العثمانيين فقد تخلوا عن ليبيا مقابل الدعم الإيطالي، ما سمح لإيطاليا باحتلال ليبيا واستعمارها ونهب ثرواتها.

اليوم تحاول تنظيمات الإسلام السياسي والمنضوون تحت لوائها إخفاء جرائم السلطان عبد الحميد، التي لا تزال آثارها في فلسطين وكثير من الأقاليم التي كانت تستعمرها إسطنبول، وحجم الدعاية التي تحيط بعبد الحميد كبيرة لدرجة تصويره وكأنه أحد الخلفاء الراشدين، إضافة إلى المظلومية التي يحيطونه بها في علاقاته السياسية الداخلية.

وفي سبيل ترسيخ صورة جديدة لعبد الحميد آخر، غير ذلك الحقيقي الموجود في كتب التاريخ، رسم الإسلاميون شخصية رومانسية مستندين على عاطفة المسلمين وملفقين لها قصصًا وإنجازات ومعارك لم يخضها. 

لقد صوروا بناء السكة الحديد الممتدة من إسطنبول إلى المدينة المنورة و حيفا في فلسطين وبغداد في العراق، وهي التي بنيت بتبرعات المسلمين ولم يدفع العثمانيون فيها قرشًا واحدًا بأنها إنجاز ديني، بينما كان الهدف الحقيقي منها نقل العتاد والجيوش لتتريك البلدان الإسلامية إضافة إلى خدمة المشروع الألماني في المنطقة، وبيعه لفلسطين فاخترعوا متهمين آخرين وصوروه زورًا وبهتانا بأنه رفض التنازل عنها، أما النيشان الذي منحه لهرتزل مؤسس الحركة الصهيونية فقد وصفوه بحكمة من السلطان، يا له من تزوير وتلفيق لا يغير من الحقيقة شيئا.

وفي مقابل تلك الإخفاقات والسواد الكثيف الذي يغطي سيرة السلطان عبد الحميد جعلوا منه أيقونة للإسلام السياسي ورمزًا لاستعادة ما يسمى “الخلافة”، متجاوزين علاقته مع رئيس الحركة الصهيونية “هرتزل”، العلاقة التي تخطت الصداقة ووصلت إلى التحالف بين السلطنة العثمانية والحركة الصهيونية، لمواجهة الانهيار في بنية الدولة العثمانية ماليًّا وسياسيًّا إثر تآكلها السريع ووجعها من وطأة الديون الدولية التي قصمت ظهرها وحوَّلتها إلى دولة فاشلة.

فعلاقة السلطان عبد الحميد الحميمة وصداقته مع هرتزل لم تسفر عن تسديد ديون السلطنة مقابل قيام دولة إسرائيل فقط، بل دعم العثمانيين مع الحلفاء، علاقة وصفها هرتزل في مذكراته على النحو التالي: «عبد الحميد وعدنا بدولة يهودية مستقلة، مقابل تسديد ديونه»، لقد أسفرت تلك العلاقة والشراكة عن قيام دولة إسرائيل على حساب فلسطين التاريخية.

كانت الدولة العثمانية التي وصفت بالرجل المريض في أسوأ حالاتها، خزينتها مفلسة، لم يجد عبد الحميد إلا هرتزل ليرتمي في أحضانه مؤَمِّلاً أن يتمكن من إنقاذ سلطنته المتهاوية، بادئًا مفاوضات ومراسلات سِرِّيةً بينهما إلى أن توصلا إلى صيغة عنوانها المال مقابل فلسطين، المفاوضات على بيع فلسطين استمرت 8 أعوام. بدأت العام 1896م وانتهت 1903م. تخللتها 5 زيارات لإسطنبول.

لقد وصف العديد من المؤرخين كيف كان السلطان عبد الحميد يستقبل هرتزل بحفاوة بالغة، واصفًا إياه بالصديق المخلص وهو يرجوه إنقاذ دولته من الإفلاس.

بنى هرتزل مفاوضاته مع السلطان على حاجة العثمانيين الملحة للمال، وعرض على عبد الحميد 20 مليون جنيه إسترليني، مقسمة على النحو التالي: مليونين ثمنًا لأراضي فلسطين، و18 مليونا للخزينة العثمانية، منح على إثرها المهاجرين اليهود امتيازات وتسهيلات استثنائية، عندئذ عاد هرتزل إلى أوروبا عاقدًا المؤتمر الصهيوني الأول العام 1897م، معلنًا أهدافه الصهيونية بإنشاء وطن للشعب اليهودي برعاية عثمانية.

يجب أن لا ننسى الدور الألماني ممثلا بالقيصر الألماني فيلهلم الثاني الذي رَسَم مع عبد الحميد وهرتزل مثلث الحركة السياسية التي تابعت تنفيذ الصفقة حتى إتمامها، وفي اللقاء الذي عقد في أكتوبر العام 1898م بإسطنبول أظهر فيلهلم الثاني تعاطفًا مع التطلعات الصهيونية كان حضور الألمان مسهلاً ومساعدًا للأتراك لأخذ قرار التخلي عن فلسطين، وتوصل الثلاثي إلى توطيد علاقات الشراكة حتى ميلاد الوطن الإسرائيلي، وقد تعهد عبد الحميد أمام القيصر بتنفيذ الصفقة في أسرع وقت، ففتح أبواب فلسطين على مصراعيها واستجاب لمطالب المهاجرين “اليهود” بعزل حاكم القدس توفيق باشا، الذي تمنَّع عن الاستجابة لمطالبهم بتمليكهم الأراضي المباعة لهم من الفلسطينيين، وكلف الحاكم الجديد بتوفير الأراضي للمهاجرين، وإلغاء القوانين المكبلة لهم الصادرة العام 1887م، فأعفاهم من التأمين ومن اشتراط تحديد الإقامة بـ31 يومًا.

عملية شراء الأراضي استخدم فيها اليهود طريقتين، أولاهما: التعامل المباشر مع السماسرة ومُلَّاك الأراضي الفلسطينيين الذين لم يمانع كثير منهم البيع، والأخرى: مع الإدارة العثمانية التي منحت الجنسية لعشرات الآلاف من المهاجرين اليهود ما سهَّل حصولهم على العقارات ونقل ملكيتها باعتبارهم مواطنين عثمانيين، فقاموا بتسجيلها بأسمائهم المباشرة، لينجح اليهود في شراء 97 قرية فلسطينية بين 1890-1900م، بلغ ثمنها 7 ملايين فرنك، وليتكفل العثمانيون فيما بعد بإخلائها من سكانها.

لم تتوقف العلاقة بين السلطان عبد الحميد وتيودور هرتزل عند المفاوضات على فلسطين، ولا عند الدعم المالي لخزينة السلطنة العثمانية، التي تعد في آخر الأمر رشوة مقابل بيع فلسطين، إذ اعتبر السلطان هرتزل صديقًا عظيمًا ومنحه أعلى وسام وهو “النيشان المجيدي”، لقد كانت بمثابة خلعِ السلطان لطربوشهِ العثماني، ولبسٍ للطاقية اليهودية أو ما يطلق عليها عند اليهود “الكيباه”، وحينما تسلم هرتزل النيشان المجيدي كتب شاكرًا للسلطان ما يلي: “حينما يسر جلالتكم أن تقبلوا خدمات اليهود سيسعدهم أن يضعوا قواتهم تحت تصرف ملك عظيم مثلكم”.