أدرجها السلطان مراد الثاني ضمن "الفيء "

ضريبة الغلمان ..

استعباد للجنس التركي واستعباد للنصارى والمسلمين

المؤسسة العسكرية العثمانية هي الأخرى عانت من العنصرية بعدم الثقة في الجنس التركي نفسه، لكنها عنصرية مقلوبة، فكانت قواتها مكونة من الإنكشاريين وغالبيتهم من الأوروبيين المرتزقة، وكان لاستفحال أمرهم وتمكنهم من مفاصل الدولة سبب في القيام بأدوار سياسية مؤثرة حتى أن السلطان العثماني في فترات مختلفة يتودد إليهم ويسعى لكسب جانبهم وبالرغم من ذلك لم تتمكن المؤسسة السياسية من تفكيك هذا الجيش المكون من المرتزقة، بل يحق للمتأمل لحالة سيطرة الإنكشاريين في فترات معينة أن يصف السلطنة العثمانية بأنها “دولة العسكر”، أما القلة من الجنود الأتراك في تلك المؤسسة فهم ينحدرون في بداية السلطنة (699هـ /1299م ) من أتراك الأناضول الذين لا يزالون متمسكين بمبادئ الفروسية ويوصفون بالشجاعة والإقدام بفضل رابطتهم التي لا تزال قويةً بقيم القبيلة إلا أنه مع مرور الوقت والتجربة اتضح للسلطنة العثمانية أن ولاء هؤلاء للقبيلة أقوى من ولائهم للدولة، وكان بجوار هؤلاء فرقة عسكرية تدعى “يا يا” هم الإقطاعيون الذين وزّعت عليهم الأراضي الزراعية لإحيائها وكُلفوا ببعض الأعمال التي تحتاجها الدولة العثمانية في بداياتها وبعد زمن من التجربة اتضح أن ولاء عناصر هذه الفرقة أكثر للجانب المادي ولرضا الإقطاعي العقاري الذين يعملون تحت سلطته وتوجيهاته، وإن أبدوا ولاء للدولة في بعض الفترات إلا أنه ولاءٌ لا يُعتمد عليه، وحينما لاحظ السلطان العثماني أورخان بن عثمان الذي تسلم السلطنة عام (726هـ / 1326م) هذا الارتباك التكويني في مؤسسته العسكرية والخلل الذي يهدد قوة دولته بحث ومستشاروه وأخوه ووزيره علاء الدين بن عثمان عن حلول لتلافي الخطر المحدق، وتغيير النمطية العسكرية التقليدية، وتمخضت هذه المباحثات والمناقشات والاستشارات بعد أربع سنوات بإنشاء فرقة عسكرية جديدة يتربى أفرادها منذ سن مبكرة على الولاء الخالص للسلطان والدولة ، فكان أن حيّدوا الجنس التركي وأخذوا بفكرة للبيزنطيين وهي أخذ الأطفال النصارى من أسرى الحروب من سن السابعة إلى العاشرة إلى القصر العثماني ومؤسساته التابعة وتربيتهم تحت نظر السلطان ومراقبة كبار موظفيه وتلقينهم الحس التركي، والثقافة العثمانية ومسح علاقتهم ببلادهم وذويهم وثقافتهم، لحداثة عقولهم، وفراغ مشاعرهم حتى يمكن تشكيلها في أي قالب، فكانت فرقة “الدوشرمة” التي أضيف لها فيما بعد الغلمان الأسرى من النبهاء والأصحاء ممن تجاوزت أعمارهم العاشرة، أو من الأطفال الذين مات آباؤهم في المعارك ضد العثمانيين، إلا أن السلطان مراد الأول (760 ـ 791هـ / 1359 ـ 1389م) وأمام انتقادات داخلية لكون هذا التوجه الإداري يخدش الوطنية التركية، ومساءلات خارجية لكونه استغلال للأطفال وإخلال بحقوقهم القانونية، أصدر عام (764هـ – م1363م) قانون (بنجيك قانوني) ويعني قانون الخمس، وبناء عليه فإن الأسرى يعدون من خمس السلطان الذي يحق له التصرف فيه بعد غنيمة الحرب، ولا بد أن هذا القرار كان له تمهيد من علماء السلطة، فكان أغلب فرقة الدوشرمة من البلقان في البداية حتى ضم السلطان العثماني إلى هذا القانون رعايا دولته في كل الدول غير المسلمة التابعة لسلطانه من ثم تطور حال الدوشرمة إلى أن ضمت عرباً وأوروبيين وأفارقة وغيرهم، حتى وصل الحال إلى أن الدولة العثمانية كانت تأخذ أبناء البوسنيين المسلمين ضمن فرقة الدوشرمة لاستعبادهم وإدراجهم ضمن الجيش التركي، فهل كان الأتراك يطبقون ضريبة الخمس على المسلمين في مخالفة سافرة للتشريع الإسلامي.
يظل التعليل السلطاني لسبب جلب هؤلاء الغلمان وأنه من الخمس ضعيفا ومختلقاً، فالإسلام نهى عن العبودية نهياً واضحاً، وإن كان هناك رأي يرى شمول الفيء على الأطفال اليتامي والفقراء والمساكين ليتم تربيتهم وفق تعاليم الإسلام بهدف إسلامهم إلا أنه رأي لم يأخذ حيزا من الاهتمام من العلماء كونه قد يتناقض مع تحريم عبودية الإنسان لأخيه كما أنه بشكل غير مباشر إكراه على الدين وتلك مخالفة شرعية ودليل على استخدام دولة إسطنبول الإسلام النظري مطية وذريعة للوصول إلى الغايات السياسية والاقتصادية.

بعد فرقة " يا يا " الإقطاعية جاءت فرقة الدوشرمة العسكرية في انتهاك صارخ لحقوق الطفولة .

وتمدد الأمر إلى أشد من ذلك فصار السلطان العثماني يرسل مندوبيه لجلب هؤلاء الغلمان من بلدانهم الخاضعة له كلما احتاج الجيش إلى دعم بالكوادر البشرية، وشاع أن أغلب هؤلاء المرسولين يأخذون رشوة من بعض النصارى لكيلا يقع الاختيار على أطفالهم كما كانوا يُغرون بالنساء لذلك الهدف.
فرقة الدوشرمة مسخت المواطنة التركية وأصبح الأتراك العاديون يتفاعلون في الجانبين الاجتماعي والاقتصادي فقط من الدولة، كما أنها ضربت بمقاصد الشريعة الإسلامية عرض الحائط ما دامت لا تتوافق ومزاج السلطنة العثمانية السياسي، وهواه الفردي في تحقيق إنجازات خاصة به يتغلب بها على سابقيه حتى لو كان على حساب قتل الروح الإسلامية في داخل الدولة أو داخل الأمة الإسلامية التي عانت كل طرق الظلم لها أو لمنهجها في الحياة.

مندوبو السلطان لجلب الغلمان لعسكرتهم تكسبوا بالمهمة لصالح جيوبهم وأنسهم.

1. طلال الطريفي، العثمانيون ـ ما كان حديثا يفترى، (الرياض: الطبعة الأولى ، 1441هـ / 2020 م ).