السلطان سليم الأول ياووز

جاء التعرض لشخصية محيي الدين بن عربي (العربي)، وهو المقصود في مسلسل “قيامة أرطغرل”، الذي توفي عام 638هـ عن عمر يناهز الثمانين عامًا، أي أنه عاصَرَ أرطغرل بالفعل، وسافر إلى حلب وأقام مدة في قونية (عاصمة الدولة السلجوقية وقتها)، وتزوَّج فيها والدة صدر الدين القونوي، مما يقوِّي احتمال اللقاء بينهما، وهناك إشكاليات تاريخية مهمة تم استغلالها لكتابة تاريخ يُقدِّس ويمجد شخصيات من سلاطين آل عثمان، ومن تلك الإشكالات وجود علاقة بين أرطغرل وابن العربي بدرجة مبالَغ فيها، بحيث يعجز الباحث في كتب التاريخ عن إيجاد شواهد أو قرائن فضلًا عن أدلة عليها.

وإذا ما ألقينا الضوء على تطبيق نظريات وأقاويل على شخصية ياووز “سليم الأول” نجد أن بعض المؤرخين ذكروا بأن هناك كتابات لمحيي الدين تنص على تنبُّؤات تُدلِّل على أنه كان مجدِّدًا، ويذكر المؤرِّخون العثمانيون أن هناك سلطانَين عثمانيَّين ملقَّبَين بـ”المؤيد من عند الله”؛ أولهما هو السلطان محمد الفاتح لمدينة إسطنبول، والحاصل على مدح الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والثاني هو السلطان ياووز سليم.

وقال بعض العارفين – وهم من الصوفية – : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بشَّر به وقال في إحدى قصائده ما معناه: (سيحكم من آل عثمان شخص اسمه سليم على ممالك العرب والعجم)، كما قام ابن كمال – استنادًا إلى بعض الآيات القرآنية – بالتنبُّؤ بقيام سليم بفتح مصر، وله رسالة خاصة في ذلك، ومنها أن سليم لم يتوجَّه إلى إسماعيل شاه والمماليك إلا بعد أن أخذ فتوى من علماء يعتبرهم البعض – أجلاء – وهم ابن كمال والشيخ زنبيللي علي أفندي!!

استفهامات كثيرة تُثار، ومنها: كيف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يذكر مثل ذلك؟ ولكن مَن وصلوا إلى تقديسه وتأليهه لا يُستغرَب ما يهرطقون به، وكيف لشخصيات يتم وصفها بأنهم العارفون أن يستدلوا على ذلك، ويُقحِموا كتاب الله بآياته في تحديد أشخاص بعينهم؟ وأن النبي المصطفى أشار بحديث يقصد به سليم ياووز!

وعودة للحديث عما بدأ به مقالي، ما يثير شكوك حول الكتابات المنحرفة واستغلالها، ما تم نسبته إلى محيي الدين الذي توفي قبل ياووز بـ 250 سنة، وهو أنه توجد نسخ من رسالته والمعنونة بـ “الشجرة النعمانية في الدولة العثمانية”، التي جاء فيها استنادًا إلى بعض الآيات القرآنية التي تشير إلى فتح مصر – وهنا جملة اعتراضية؛ لأن مصر تم فتحها منذ عهد الخلفاء الراشدين بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه – وانتشرت عبارة بين الناس مفادها أن سليم سيفتح مصر، وسيدخل الشام، حيث سيكتشف قبر ابن عربي – لأنه كان غير معلوم – ؟ وتلك العبارة هي (إذا دخل السين في الشين ظهر قبر محيي الدين”!!

ويؤكد صاحب كتاب “الدولة العثمانية المجهولة” أنه إن لم يكن ما انتشر عن محيي الدين صحيحًا فإن ابن كمال أحد أرباب الصوفية في الشام قام باستخراج بعض الإشارات من القرآن الكريم، وأن تلميذ محيي الدين “صدر الدين القونوي”، الذي توفي عام 671هـ/ 1360م، قام بشرح رسالة أستاذه بتوضيح تلك الإشارات، وأن أيوب صبري باشا اقتبس تلك الإفادات ونشرها في مؤرَّخه “مرآة الحرمين”.

وتذكر المصادر أن “سليم” عندما وصل إلى الشام وعسكر فيها قُرب حلب استأنف سيره إلى دمشق متخذًا طريق حماة وحمص، وكان البكوات المماليك قد هجروها، وتم تسليم دمشق بالتفاوض الذي تم مع الخائن خاير بك، وأقام فيها سليم قرابة الشهرين، وأصدر أمره بإقامة عمائر فيها، ومنها إقامة مسجد على ضريح محيي الدين بن عربي.

يقال في بعض كتب التاريخ: ان هتافات كثيرة كانت تنادي السلطان سليم، خاصة عند مدخل حلب، ويقولون: ” ليساعدك الله تعالى يا سلطان سليم”، ولا غرابة من ذلك، وللعارفين علمهم، وما كتبوه ونشروه للوصول بتلك الشخصية إلى التقديس.

وللزنبيلي رباعية يقول فيها:

إن خشيت من الاختلاف والفُرقة

ستظل تُقلِقني حتى وأنا في القبر

إن اتحدنا فصَولة الدولة تستطيع دفع الأعداء

فإن لم تتَّحد الأمة فلا راحة لي

وكتب المؤرخان “عالي” و”لطفي باشا” أن خدمات السلطان سليم تؤيد ما سجَّله الحديث النبوي حول المجدِّدين.

وتلك كتابات للتاريخ نتركها…