مستهدفًا الهوية العربية

"الأحوازيون" لا يزالون في حالة صمود أمام القمع والقهر الفارسي

شكَّل احتلال عربستان نهايةَ مساراتٍ متتاليةً من محاولات الإخضاع الغربية والفارسية لهذا القُطر العربي، في ظل بيئةٍ استراتيجيةٍ وتحالفٍ موضوعيٍّ جعل من احتلال المنطقة وتقاسم النفوذ مقدماتٍ لتحالفٍ استراتيجيٍّ لا نزال نعيش على ارتداداته إلى يومنا هذا.

ويمكن القول بأن احتلال الأحواز لم يشكل استثناءً في أنماط الاحتلال الأخرى التي عرفتها مجموعة من المناطق الغنية، حيث لجأت الدول الاستعمارية إلى ما يسمى بــ “الاستعمار الاستيطاني”، وهو أخطر أنواع الاستعمار على اعتبار أنه يجتهد في القضاء على المكون الهُوِيَّاتي والعرقي، ومن ثَمَّ مسخ الشخصية الرئيسة للشعوب المُستَعمَرة.

وأمام مقاومة عرب الأحواز للاستعمار الفارسي الذي بدأ سنة (1925)، ومحاولاتهم المتعددة للتحرر، عمد الفرس إلى سن مجموعة من القوانين التي تروم فك الارتباط بين عرب الأحواز وهويتهم القومية العربية، والقضاء على شوكتهم ومقاومتهم، ومن أوائل المطالب التي فرضتها إيران البهلوية على القبائل العربية، وطالبتها بتنفيذها بحذافيرها:

 1-  نزع السلاح وتجريد العشائر منه بصورة كاملة.

 2-  تبديل الزي العربي وارتداء الملابس البهلوية.

 3- رفع يد رؤساء العشائر كافة عن ممتلكاتهم وأراضيهم.

إن التدابير التي اتخذها المستعمر الفارسي تدخل فيما يطلق عليه بــ “أسلوب المحاربة النفسية، وذلك من خلال إهانة كل مظهر عربي واحتقاره وإجبار العرب على التظاهر بالزي والتقاليد واللغة الفارسية المفروضة”. ولم تقف محاولات طمس الهوية العربية عند هذا الحد، بل عمد الفرس إلى “تبديل الأسماء العربية للمدن والقرى والمناطق إلى أسماء فارسية، فأبدلت الناصرية بالأهواز والمحمرة إلى خرمشه…وإقليم الأحواز إلى خوزستان”.

كان الخوف من ثورة العرب في الأحواز من قبل النظام الإيراني؛ دافعًا لتطبيق نهج استبدادي يزيد قسوة عن النهج الذي يطبقه في الحقيقة على أبناء جلدته، فاستخدم الفرس الأسلوب القمعي والبوليسي، ودمروا كل مظاهر الثقافة العربية وأحرقوا أمهات الكتب وصادروا قسمًا آخر منها، وتم التحفظ عليها في العاصمة طهران.

استدامة الفرس في حالة الاحتلال الاستيطاني للأحواز، وفشل جميع الثورات التي حاولت جاهدة الانعتاق منهم، يعود إلى مجموعة عوامل، في مقدمتها أخطاء تكتيكية واستراتيجية، تتمثل في أن جميع الثورات التي قام بها الأحوازيون العرب مثل: ثورة الغلمان، الجويزة، الشيخ حيدر، الفجرية … إلخ؛ فشلت لأنها أخذت شكلاً مركزيًّا خاصًّا، ولم تأخذ بعدًا عربيًّا، بالإضافة إلى الاختراق الذي نجح فيه الفرس في صفوف جميع الثورات العربية بالأحواز، وهذا دون إسقاط عامل الخداع والمناورة الإيرانية، حيث إن “كثيرًا ما تلجأ السلطات العسكرية الإيرانية إلى المراوغة والخداع فتزعم أنها ستعطي مكاسبَ لعرب المنطقة وبعض الحقوق لممارستها إذا رأت أن الثورة قوية وأن بقاءها سيؤدي إلى امتدادها لمناطق أخرى”، من دون أن يتحقق من الوعود الفارسية أي شيء.

منذ اللحظات الأولى لاحتلال الأحواز، ومعاناة الشعب العربي الأحوازي مستمرة لم تنته، لأن المجتمع العربي يرفض الذوبان في الثقافة القهرية الفارسية، لا سيما أن عربستان تتكئ على إرث تاريخي سياسي عميق الجذور، مستقل عن الفرس، لذا ستبقى قضية هذا الإقليم أساسية في الأجندة العربية السياسية، لا سيما مع حالة التسلط العرقي الفارسي على العرب الأحوازيين، الذين ما زالوا يقاتلون حفاظًا على هويتهم العربية، التي بقيت صامدة إلى قرابة قرن حتى يومنا هذا.

الأبعاد العنصرية حاضرة في كل تفاعل فارسي مع كل ما هو عربي.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية للطباعة، 1980).

 

  1. حسن الجاف، موسوعة تاريخ إيران السياسي (بيروت: الدار العربية للموسوعات، 2008).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي نعمة الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).