ثورة الغلمان (1925)

انطلقت من "قصر" الشيخ خزعل وكادت تنهي الوجود الفارسي

لَمْ يَدُرْ بِخَلَدِ الحكومة الإيرانية أنه ستكون هناك ردود أفعال قوية ومتوقعة من عرب الأحواز. إذ اقتادت أمير الأحواز العربية بمكيدة خبيثة مع عرابتها بريطانيا العظمى، التي خططت تحت جنح الظلام لاحتلال الفرس للأحواز العربية، وذلك خدمةً لمصالحها الاستعمارية أولاً، ومن ثم منع الـــروس من الوصول إلى الخليج العربي، وتـقويـة نـفوذ إيــران في المنطقة العربية حتى لا ينفرد العرب بالاستحواذ على منابع النفط والسيطرة على أهم طرق التجارة عبر الخليج الـعـربي.

بدأت مقاومة الأحواز بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على احتلال الأحواز الذي كان في 20 نيسان إبريل (1925)، إذ وقف جنود الشيخ خزعل وحرسه الخاص متصدين لسياسة التفريس ، وقاموا بثورة سميت بِاسم “ثورة الغلمان” في 22 يوليو بقيادة الغلامين (شلش وسلطان)، وكانت ردًّا منهم على أسر شيخهم وإمارتهم العربية، ويشير التقرير البريطاني إلى تلك الثورة بالقول: “اندلعت الانتفاضة العربية في المحمرة. حوالي السابعة والنصف مساءً.  من مساء الرابع والعشرين من شهر يوليو عام 1925، فقد حدثت انتفاضة خطيرة لرجال القبائل العربية في المحمرة.  وهاجم حوالي 400 عربي مسلح، معظمهم من غلمان شيخ المحمرة، الحامية الفارسية واحتلوا المدينة بحلول منتصف الليل”، وفي هذه الثورة هرب أفراد من الجيش الإيراني إلى الكويت.  وسيطر الثوار على مدينة المحمرة لعدة أيام. إلا إن البريطانيين وحسب ماورد في تقريرهم: “نظرًا لانقطاع التواصل مع نائب القنصل البريطاني، السير “إيه تي”، تولى المهمة المدير العام لشركة النفط الأنجلو- فارسية، “ويلسون” وجرى الاتصال لاسلكيًا بكبير ضباط البحرية في الخليج العربي للإيفاد العاجل لزورق حربي، وإلى البصرة لإرسال زورق حربي آخر ومدرعات مصفحة من نوع (Humber Mk 3 Armoured Car) وصلت من البصرة في الساعة 1 صباحًا، وفي صباح يوم 25 يوليو وقف عند المرسى الخارجي لنهر قارون.

التدخل البريطاني أنقذ الفرس قبل أن تنهيهم حركة غلمان الشيخ خزعل.

وأرسلوا سيارات مُصَفَّحة، وكذلك جنود في عمليات الدعم والإسناد من البصرة، لكن الأولى أعيدت قبل أن تصل إلى الحدود والأخيرة لم تهبط لأن الوضع تحسن قبل وصولها. وبمساعدة تعزيزات من الأحواز أعادت القوات الفارسية احتلالها في صباح يوم 25 من الشهر الجاري (أغسطس) ودفعت العرب باتجاه الفيلية. وأفادت الأنباء أن العرب فقدوا حوالي 130 قتيلاً وأعادت القوات الفارسية احتلال المدينة في صباح يوم 25 من الشهر ونُهبت المدينة بالكامل وأصيب موظفان في شركة النفط الأنجلو-فارسية.  وتوفي أحدهم فيما بعد وهو مواطن بريطاني هندي”.

ثم قصفتهم مدفعية الجيش الإيراني بلا رحمة بعد أن دمروا الحامية الفارسية في المدينة. وعلى أثر فشل هذه المقاومة الأحوازية وانتفاضتها ضد الاحتلال؛ خيّم إرهاب شديد على الأحواز، وبطبيعة الحال فإن الفرق النوعي بين صفة المقاومة والإرهاب يكمن في طبيعة العنف: عنف مَنْ يدافع عن وطنه والعنف المدافع عن الغزو الهمجي البشع والجرائم التي يقوم بها المحتل ضد البشر ولكن السلطات الفارسية قضت على هذه الثورة بقسوة متناهـية وبكل شدة، وحاكمت عدداً كبيراً منهم، وأعدمت العشرات دون محاكمة.

وفي العام نفسه تجمع الثوار الأحوازيون في جزيرة “شلحة” في “شط العرب” بهدف الهجوم على الأحواز واستعادتها إلا أنه بطلب من الحاكم العسكري الإيراني في الأحواز هاجمت القوات البريطانية هذا التجمّع فقضت عليه. وقد تصادف ذلك كله مع تفشي الوباء في عربستان، وكانت خطوة غير متوقعة ولم تكن مرتبطة بخطط الثورة المشتركة من قبل قبائل كعب وبني طرف ومنطقة الميناو. وبالتزامن مع تفشي الوباء في المحمرة، استولت القبائل المذكورة أولاً على عبدالحسن شيخ المشايخ، مرشح الحكومة الفارسية في الفلاحية. واتخذ العرب الذين طردوا من المحمرة في الخامس والعشرين موقعهم في الفيلية، لكنهم تعرضوا للهجوم من قبل قوات برية وبحرية، وفي التاسع والعشرين طردتهم القوات الفارسية وأجبرتهم على التوجه نحو الحدود العراقية، مما أسفر عن مقتل حوالي 100 شخص آخر.

لقد اجتمعت على الأحوازيين مظالم من المستعمر الأجنبي ومن الجار الفارسي الحاقد المعتدي، فكانت نهاية إمارة عربية متوقع لها الازدهار والمشاركة في النماء العربي.

  1. فرح صابر، رضا شاه بهلوي: التطورات السياسية في إيران 1918- 1939 (السليمانية: منشورات مركز كردستان، 2013).

 

  1. سامية الجابري، الأحواز عربستان خلال العهد الملكي البهلوي (بيروت: جداول للنشر والترجمة والتوزيع، 2019).

 

  1. علي الحلو، الأحواز ثوراتها وتنظيماتها 1914-1966م (النجف: مطبعة الغري الحديثة، 1970).

 

  1. علي الحلو، الأحواز في أدوارها التاريخية (بغداد: دار البصر، 1967).