الحركيُّون يحاولون تهميشه وتسطيح دلالاته
كيف نشأ مصطلح "العثمانيون الجُدد"؟
في البداية لا بد من التعرف على مصطلح “العثمانيون الجدد”، ومن أين أتى هذا المصطلح وما هو ارتباطه بالحركات الإسلامية المتطرفة؟ ومن هنا يمكن القول: هل يطلق على كل من يتبنى النزعة العثمانية أم على مَن بالتحديد؟ في الحقيقة، الأمر يحتاج منا إلى تفتيش في العديد من الطروحات العلمية المقدمة للقارئ العربي، ولكن أصحاب النزعة العثمانية يتقنون ممارسة لعبة خلط الأوراق كجزء من حملتهم المضللة، فيحاولون أن يخلقوا حالةً من الضبابية حول مصطلح “العثمانيون الجدد”؛ فهم يتهمون من يستخدمونه بأنهم ضعاف العقول، والحجة هي أنه مصطلح سياسي ابتُكر لوصف ممارسات سياسية، لا لوصف المشتغلين بالتاريخ العثماني.
إذن وفقًا لهذا القول فقد أصبح كل من يدين عملاء التيار العثماني الجديد بالانتماء له؛ جاهلًا ضعيف العقل، متهمًا بتعميم وصف سياسي على كل من اهتموا بتاريخ العثمانيين. ولفهم تحولات التيار الحركي الإسلامي يشير إدريس بوانو إلى أن التحولات التي عرفها التيار الإسلامي، سواء على مستوى الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية ذات البعد التربوي والفكري، أو على مستوى الجماعات الإسلامية ذات البعد الحركي الممثلة بجماعة الإخوان الإرهابية في كل مكان وممارستها وتجربتها السياسية، حيث عرفت ميلاد توجه جديد يمثله تيار سياسي حاكم، وهذا التوجه أو هذه التجربة تشكل نقلة نوعية في مسار الحركيين عمومًا، وفي مسار التجربة السياسية ذات المرجعية الإسلامية في تركيا على وجه الخصوص، فهي حركة سياسية مؤطرة في هذا الحزب أكثر مما هي عنوان حزب مجتمعي مؤسساتي. ومع أنهم حرصوا خلال المرحلة الأولى على إبعاد الصفة الإسلامية والعثمانية عن حزبهم، والظهور بمظهر ديمقراطي محافظ على غرار الأحزاب المسيحية في الغرب؛ فإن تحولًا كبيرًا جرى مع زيادة نفوذ هذا الحزب؛ إذ إن لسان حالهم يقول: إن العقود السابقة من تاريخ الجمهورية التركية لم تكن سوى فاصل إعلاني قصير من عمر الإمبراطورية العثمانية.
حالة الدمج بين الإسلام السياسي والعثمانية الجديدة كانت مدروسة، بهدف تأسيس دولة جديدة بحلول عام (2023)، خلال الذكرى المئوية لانهيار الدولة العثمانية. ومن هنا يمكننا أن ندرك كيف برز مصطلح “العثمانيون الجدد” على الساحة السياسية والفكرية. والسؤال المطروح: هل كل من كتب في التاريخ العثماني يعتبر من العثمانيين الجدد؟ وللإجابة على ذلك التساؤل نقول: لا يمكننا التعميم على كل من تناول التاريخ العثماني بالدراسة العلمية الجادة والمحايدة بأنه من العثمانيين الجدد، فهناك دراسات تاريخية محايدة في الطرح، ولم تكن تنظر من الزاوية العاطفية الدينية التي اتخذها العثمانيون الجدد معراجًا للوصول لأهدافهم الحزبية والسياسية بما يتماشى مع سياسة الجماعة ذات التطلع لإعادة الخلافة بما يوافق هواهم العثماني، من خلال التأثير في النشء والمجتمعات من خلال غرس الفكرة لتصبح مع مرور الوقت قوةً ناعمة ومؤثرة على مستوى المجتمعات والأوطان.
وجُنِّد لمثل هذا الطرح مجموعة من الذين اقتحموا الكتابة التاريخية عنوةً، حتى وإن لم يكونوا مؤرخين، مثل الإخواني علي الصلابي الموضوع عربيًّا على قوائم المطلوبين لدعم الإرهاب، فهو يقحم انتماءه السياسي إقحامًا في كتاباته بشكل مبتذل، ويتهم هذا وذاك بتهم من كالماسونية أو معاداة الإسلام بدون تقديم أدلة ولا أسانيد، بل يلقيها جزافًا، وبرأيه “هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، فخذه كما هو”، ومن أمثال الدكتور محمد الجوادي الذي يطلقون عليه “أبو التاريخ”، وغيرهم كثيرٌ ممن فسروا التاريخ بما يناسب هوى الإخوان وفكرة عودة الخلافة. وأمام ذلك السيل الجارف من الفكر الإخواني واستخدامه للتاريخ بما يفيد فكر الجماعة وتأصيله، نجد أن هناك الكثير والكثير من المؤرخين الذين قدموا دراسات علمية واقعية ومحايدة لتاريخ العثمانيين دون الوقوع في مثل ذلك الفخ المسيس، والأمثلة كثيرة ومنتشرة في جامعاتنا العربية.
صنعوا لأنفسهم مؤرخين بنفس حركي سياسي مفضوح.
وهناك طرف ثالث مجامل أو متخوف من التيار الحركي الإسلامي حتى لا يتهم ويصنف ويوضع في مقدمة الأعداء المحاربين للفكر الإخواني، ولذلك خرج نتاجهم العلمي غير واضح المعالم وظهرت الضبابية في طرحهم، وحتى لا ننخدع فإن لهم في الألاعيب تاريخًا طويلًا من المتاجرة بالدين، فمن تاجر بالدين حتمًا سيُتاجِر بالعلم.
- إدريس بوانو، إسلاميو تركيا-العثمانيون الجدد (دمشق: مؤسسة الرسالة، 2005).
- إريك زوركر، تاريخ تركيا الحديث، ترجمة: عبد اللطيف الحارس (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2013).
- خورشيد دلي، “إسلاميو تركيا.. العثمانيون الجدد” (أبو ظبي: العين الإخبارية، على الرابط:
https://al-ain.com/article/turkey-islamists-new-ottomans
- وليد فكري: “مصطلح العثمانيون الجدد- العلم والسياسة”، على الرابط: