الآغوات:

مراكز القوى في البلاط العثماني

الآغوات مصطلح يتردد كثيرًا عند الحديث عن الحياة السرية في القصور الملكية، عبر الثقافات المختلفة، وعبر العصور، لكن هذا الدور يتعاظم بشدة عند الحديث عن القصور السلطانية في عصر الدولة العثمانية، فما حكاية الآغوات؟ وما هو دورهم السري في البلاط السلطاني؟ وكيف أصبحوا أحد أهم مراكز القوى في الدولة العثمانية؟ 

كلمة “آغا” كلمة تركية متعددة المعاني إذ تعني: سيد، رئيس، خال، رئيس الأسرة، الأخ الأكبر، رئيس الخدم في قصر أحد العظماء، أو أحد ألقاب التفخيم؛ إذ كانت تُطلَق على رئيس فرقة الإنكشارية، كما تُطلَق على الرجل من العوام لتعني المتأدب المتعلم.

لكننا في الحقيقة عندما يرد إلى ذهننا لفظ (آغا) فإن الصورة الذهنية تذهب إلى الآغوات الخصيان، وهم الأكثر شهرة في التاريخ، والتاريخ العثماني على وجه الخصوص، والآغا هنا هو طفل صغير يُباع لحساب السلطان، وتُسْتَأصَل أو تُشَوَّه بعض أعضائه التناسلية، حتى يغدو من غير قدرة جنسية عند وصوله إلى سن البلوغ، ومن ثم يسهل دخولهم وعملهم في القصور السلطانية دون خوف على الحريم السلطاني.

إلى هنا نلاحظ محدودية دور الآغوات؛ إذ يقتصر على الحماية الداخلية والخدمة في القصور السلطانية، لكن هذا الدور سيتطور كثيرًا وخاصةً بعد إنشاء السلطان محمد الفاتح لقصره الشهير طوب قابي سراي، هذا القصر السلطاني الشهير الذي ستدور فيه أشهر قصص تحول الآغوات إلى مركز قوة في البلاط العثماني.

وبدايةً لا بُد من الإشارة إلى نوع من التنوع العرقي للآغوات؛ إذ كان هناك الآغوات البيض، ويُقصَد بهم أصحاب البشرة البيضاء، والآغوات السود، وهم أصحاب البشرة السوداء. وخُصِّصَ الآغوات البيض لحراسة السلطان، لذلك أُطلِق على كبيرهم “آغا باب السعادة”، أما الآغوات السود فكان دورهم حماية الحريم السلطاني، ولذلك أُطلِقَ على كبيرهم “آغا دار السعادة”.

وفي البداية استغل الآغوات البيض قربهم من السلطان في زيادة نفوذهم وقدرة كبيرهم في التأثير على اختيار قيادات الدولة وكبار الموظفين. ولكن منذ أواخر القرن السادس عشر، وخاصةً مع مجيء محمد آغا الحبشي إلى طوب قابي سراي وتوليه منصب آغا دار السعادة، وتأثيره المعنوي على الحريم السلطاني، أصبح للآغوات السود اليد الطولى في القصر، وفي صناعة القرار، بل أكثر من ذلك إذ تولى آغا دار السعادة مهمة الإشراف على أوقاف الحرمين الشريفين، وهي من المهام الجليلة في الدولة العثمانية.

وهناك معلومات وفيرة في المصادر التاريخية عن حياة الخِصيان السود في البلاط العثماني منذ البداية مرورًا بالتدرج والترقي في هذا البلاط؛ إذ يبدأ الأمر بتسجيل الزنوج الأفارقة القادمين إلى السراي فيما يعرف بدفتر أوجاق العبيد “كوله أوجاق دفتري”، ثم يُعهَد بأمر الطفل الزنجي إلى أحد المربين المخصوصين لهذا الأمر ويُعرَف بلقب “لالا”، حيث يقوم الطفل الزنجي بتقبيل يد المُرَبِّي والبدء في التعلم والخدمة على يديه، ويبدأ الخصي في التدرج في العديد من الخدمات والوظائف داخل الحريم السلطاني، ويتعلم الأصول والآداب الخاصة بالحريم السلطاني.

ومن ناحيةٍ أخرى حاول الآغوات البيض زيادة نفوذهم من خلال الإشراف على تدريب غلمان الدوشرمة، الذين سيصبحون عبيدَ السلطانِ وحراسه.
ومن شدة الدور الذي لعبه الآغوات وأهميته، وخاصةً الآغوات السود، في البلاط العثماني، نجد حضورهم بشكلٍ كبير في الدراما التاريخية، سواء الدراما الأوربية عن العصر العثماني، أو حتى الدراما التركية عن هذا العصر.