آغاوات الحرملك

مخصيون

في خدمة نساء السلاطين

لم يدخر سلاطين العثمانيين جهدًا لتلبية رغباتهم الدنيئة وشهواتهم التي لا تنتهي، بل لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد سخّروا كافة إمكانات الدولة العثمانية من أجل مجالس اللهو والجلوس على الأسرّة للتمتع بالنساء، في الوقت الذي كان يعاني فيه المسلمون من الجوع والفقر.

وضمن أنظمة الدولة العثمانية الاستعبادية كان نظام آغاوات الحرملك الذي استحدثه سلاطين العثمانيين من أجل نسائهم وجواريهم، والمقصود بآغاوات الحرملك هم العبيد الذين يُجلبون للخدمة في حرملك قصور آل عثمان حيث النساء والجواري. 

ولضمان ألَّا تحدث أي خيانة بين النساء وهؤلاء العبيد الذين جلبوهم من كافة أنحاء العالم، أقدم سلاطين العثمانيين على أبشع جريمة بشرية عرفها التاريخ، ونهى عنها الدين الإسلامي بنصوص واضحة وصريحة، وهي جريمة الإخصاء، إذ كان العبيد المؤهلون للعمل في الحرملك يُخْصَونَ قبل البلوغ وذلك يفقدهم القدرة والرغبة الجنسية تمامًا تجاه النساء.

أقدم سلاطين العثمانيين على إخصاء آغاوات الحرملك في أبشع جريمة إنسانية نهى عنها الإسلام.

لكن جريمة الإخصاء لم تكن الأخيرة التي يتعرض لها هؤلاء العبيد الذين ساقهم حظهم البائس للعمل في قصور الحرملك، فبدخولهم هذا الجزء الغامض من قصور حكم آل عثمان، يخضعون لكافة التعليمات التي لا يمكن وصفها سوى بالاستعبادية، بداية من منعهم من الخروج من القصر، وعدم النظر في عين أي امرأة داخل الحرملك، ومنعهم من توجيه أي أسئلة لأي جارية، ويصف خير الدين آغا، رئيس الآغاوات في عصر عبد الحميد الثاني، في مذكراته، تلك التعليمات بأنها تجعل الآغا في النهاية مثل “الكلب” لا يمكن أن يفارق سيدته. 

وتوضح المصادر التاريخية أن أول من بدأ استخدام الآغوات للخدمة في الحرملك كان السلطان مراد الثاني 1420-1451 ميلادي، لكن تطور هذا النظام في عهد ابنه السلطان محمد الفاتح 1451-1481، الذي توسع في شراء العبيد والنساء من كافة أنحاء العالم. 

ورغم أن الله لم يميز بين الناس إلا بالعمل والتقوى، لكن آل عثمان الذين اعتادوا على مخالفة الدين، قسَّمُوا هؤلاء الآغاوات حسب لون بشرتهم، فكان العبيد أصحاب البشرة البيضاء الذين يُجْلَبون من المجر وألمانيا يسمون “آق آغا” أي الخصي الأبيض، أما أصحاب البشرة السوداء يسمون “الطواشي” ويُجْلَبون من مصر وإفريقيا، وقد اعتمد سلاطين العثمانيين على الطواشي في خدمة الحرملك.

أول من أسس نظام آغاوات الحرملك كان السلطان مراد الثاني وتوسع فيه ابنه محمد الفاتح.

وفي عهد السلطان مراد الثالث عام 1547 ميلاديًا، استُحدث منصب جديد داخل الحرملك وهو “كيزلار آغا” وتكون مهمة من يتولى هذا المنصب الإشراف على العبيد المخصيين المسؤولين عن جناح الحرملك داخل القصر العثماني، وامتاز براتب مرتفع وبيت واسع فسيح ونفوذ داخل القصر العثماني. 

دور آغاوات الحرملك في الدولة العثمانية لم يقتصر على خدمة النساء فقط كما حاول سلاطين العثمانيين ترويجه، بل اتسعت مهامهم حتى أصبح ما يفعله آغاوات الحرملك هو الأهم في تاريخ امبراطورية آل عثمان.

وفي البداية استخدمهم سلاطين العثمانيين جواسيسَ على النساء والجواري إذ إن هؤلاء النساء اللاتي تخطى عددهن الآلاف كما تؤكد المرويات التاريخية، جُلِبن من كافة أنحاء العالم ومنهن من ينتمين إلى دول وامبراطوريات عدوة للدولة العثمانية، ومن ثم لم يأمن سلاطين العثمانيين على أنفسهم داخل الحرملك خشية الاغتيال على يد امرأة، فجندوا آغاوات الحرملك لمتابعة كل حركات النساء وسلوكهن. 

لكن انقلب السحر على الساحر، هذا ما يمكن قوله بعد أن نشأت علاقات بين بعض الجاريات ونساء الحرملك، وبين آغاوات الحرملك الذين -رغم فقدهم للقدرة الجنسية- لم يفقدوا قلوبهم التي تعشق وهو أمر لم يدركه آل عثمان الذين ظنوا أن بإمكانهم امتلاك البشر.

استخدمهم آل عثمان جواسيسَ على نسائهم فانقلبت الصورة وأصبح الآغاوات شركاء النساء في المؤامرات.

ومن هنا بدأت المؤامرات التي اشترك فيها آغاوات الحرملك مع بعض نساء وجواري سلاطين العثمانيين ولعل أشهرها ما فعلته “بورتو سلطان” زوجة السلطان مراد الخامس التي استعانت ببهرام آغا لمقابلة عشيقها، وتطور الأمر إلى أن أصبح مؤامرة كبرى كادت أن تطيح بالسلطان العثماني مراد الخامس من على عرشه، وكان المتولي لكافة الأمور هو بهرام آغا. 

كما زاد من نفوذ آغاوات الحرملك أيضًا أن حركة ترقياتهم كانت في يد نساء الحرملك، وهو ما دفع هؤلاء العبيد إلى التقرب من الجواري المفضلات للسلطان، وتنفيذ ما يردن من جرائم، وكانت النتيجة دائمًا مثمرة بعد أن سيطرت النساء على عقول سلاطين العثمانيين، وأصبحن المتحكمات في كل شيء.

ويعد منصب، آغا دار السعادة، هو أعلى منصب يصل إليه آغاوات الحرملك، فمن يتولى هذا المنصب يُصبح مسؤولاً ومتحكمًا في كافة الآغاوات العاملين في الحرملك، وأيضًا يصبح مقربًا من السلطان ويمتلك نفوذًا كبيرًا داخل الإمبراطورية، وقد استطاع بعض آغاوات دار السعادة أن يجمعوا أموالاً طائلة بطرق ظالمة من الأهالي بفضل نفوذهم هذا.

تعاظم نفوذ آغاوات الحرملك حتى أصبحوا متحكمين في الإمبراطورية العثمانية.

ويصف المؤرخ العثماني كوالين إنبير في كتابه “الإمبراطورية العثمانية الدور المركزي الذي كان يقوم به آغاوات الحرملك في المطبخ السياسي السلطاني فيقول: ” كان السلطان على اتصال وثيق مع آغوات الغرفة الخاصة وآغا البوابة وآغوات الحريم أكثر بكثير مما كان على اتصال مع وزيره الأعظم أو آغا دار السعادة الذي كان يتلقى التماسات من الوزراء والوزير الأعظم من أجل تسيير أمر أو شأن في الدولة أو حتى السعي له عند السلطان، وبعض السلاطين كانوا أكثر ميلًا إلى أخذ النصيحة من آغاوات الحرملك أكثر من أخذها من الوزراء أو الوزير الأعظم. 

وحديث المؤرخ العثماني “إنبير” هو الصورة التي وصل إليها آغاوات الحرملك الذين جلبوهم سلاطين العثمانيين من أجل خدمة النساء، فأصبحوا شريكًا رئيسًا في الحُكم، وبات آل عثمان رهينة بأيديهم.

1. أكمل الدين إحسان أوغلي: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، مركز الأبحاث للتاريخ والثقافة الإسلامية، استانبول، 1999م)، المجلد الأول 159، 161-162. 

2. كولين إنبير، “الإمبراطورية العثمانية” 1300-1650: هيكل القوة، الطبعة الثانية 2009، نيويورك.

3. إيلبيرأورتالي، إعادة اكتشاف العثمانيين، ترجمة: بسام شيحا (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون2012م).

4. أسرار الحرم.. مذكرات خير الدين آغا رئيس الآغوات في عصر عبد الحميد الثاني.