الأحواز... أرض عربية احتلها الفرس مع بدايات القرن العشرين

رضا خان بهلوي أنهى الدولة الكعبية في عربستان بمؤامرة دولية سنة (1925م)

تشهد أحداث التاريخ، عبر عصوره المختلفة، على استمرارية الأطماع الفارسية الإيرانية في المنطقة العربية. وربما هدأت هذه الأطماع بعض الشيء مع الفتح العربي الإسلامي لبلاد فارس، إلا أنها سرعان ما عادت إليه من جديد وبقوة، لا سيما بعد ضعف الدولة العباسية، ثم قيام الدولة الصفوية الإيرانية في القرن السادس عشر. وتُعَدُّ قصة اغتصاب إيران في القرن العشرين للأحواز العربية فصلاً مهمًّا في هذا الشأن مع بدايات القرن العشرين.

وتقع الأحواز العربية في منطقة شمال الخليج العربي، إلى الشرق من مدينة البصرة. والأحواز منطقة عربية أصيلة، قامت فيها عدة دول عربية على مر التاريخ، لعل أهمها السلطنة المشعشعية ما بين عامي (1436-1724م)، وكانت عاصمتها مدينة الحويزة. وتلا هذه الدولة إمارة عربية أخرى وهي الدولة الكعبية، التي استمرت تحكم الأحواز حتى عام (1925م).

وقد قام المؤرخ العراقي الشهير مصطفى عبدالقادر النجار بدراسة المرحلة الأخيرة في حكم الدولة الكعبية في الأحواز (عربستان، أي بلد العرب). وخرج المؤرخ بنتائج مهمة وخطيرة حول تواطؤ بريطانيا مع رضا شاه بهلوي إمبراطور إيران في عام (1925م) بناءً على الوثائق والوقائع التاريخية، بالسماح لإيران بغزو الأحواز وضمها إليها. وكانت هذه الصفقة في إطار رسم خريطة الشرق الأوسط في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى.

ويرجع اهتمام إيران باحتلال الأحواز العربي إلى أهميتها الاستراتيجية؛ إذ إن الأحواز تقع على الساحل الشرقي للخليج العربي، فضلاً عن جوارها للعراق، ورغبة إيران الدائمة في التدخل في الشأن العراقي. ولا يقل البُعد الاقتصادي أهمية عن البُعد الاستراتيجي في مسألة استيلاء إيران على الأحواز واحتلالها؛ ويرجع ذلك إلى أن منطقة الأحواز تتميز بغناها بالنفط، بل إن معظم النفط والغاز الإيراني يُستخرَج في حقيقة الأمر من منطقة الأحواز. كما تتميز منطقة الأحواز بخصوبة أراضيها، نظرًا نهر كارون، كذلك تُعَدُّ الأحواز المورد الرئيس لإيران للذرة والسكر.

ومنذ اغتصاب إيران للأحواز وضمها إليها، بدأت سياسة (التفريس) في المنطقة ومحاولة محو الهوية العربية للأحواز. وبدأ ذلك بتغيير الاسم التاريخي لمنطقة “الأحواز” وإطلاق اسم فارسي عليها وهو “خوزستان”، أي بلاد القلاع والحصون، نسبةً إلى القلاع والحصون التي بناها الفاتحون العرب في المنطقة. كما شرعت الإدارة الإيرانية في محاولة طمس الهوية العربية قسرًا من ذاكرة الأجيال الجديدة، فعلى سبيل المثال مدينة المحمرة الشهيرة غيروا اسمها العربي وأطلقوا اسمًا فارسيًّا عليها “خرم شهر”، كما غيروا اسم الشارع الرئيس في مدينة المحمرة الذي كان يعرف باسم الشارع الخزعلي نسبةً إلى الشيخ خزعل إلى اسم فارسي “شارع بهلوي”. هذا فضلاً على تغيير أسماء المواني التاريخية الشهيرة؛ فعلى سبيل المثال ميناء خور عبد الله تغير اسمه إلى ميناء بندر شاهبور.

ولم يقتصر الأمر على تفريس الأسماء بطمس الذاكرة العربية فحسب، وإنما امتد الأمر إلى محو الهوية العربية تمامًا في المنطقة بمنع التدريس باللغة العربية، وفرض اللغة الفارسية في المدارس. كما عملت السلطات الإيرانية على إصدار الصحف الفارسية في الأحواز. ولم تكتف إيران بذلك وإنما لجأت إلى سياسة التغيير الديموجرافي في التركيبة السكانية للأحواز، من خلال السعي إلى نقل الكثير من العرب إلى خارج المنطقة وإحلال عناصر فارسية محلهم.

وأدت سياسة التمييز العنصري في الأحواز إلى تذمر العرب وسعيهم إلى تأكيد هويتهم العروبية. وبدأ ذلك منذ عهد الشاه؛ إذ تصاعدت الأصوات المدافعة عن عروبة الأحواز، لا سيما بعد تأسيس جبهة تحرير عربستان في عام (1956م). وتشير المصادر إلى تعاون الموساد الإسرائيلي مع نظام الشاه في كشف أسماء قادة هذه الجبهة وتصفيتهم.

تُعَدُّ عربستان أرض النفط وسلة الغذاء التي تعتمد عليها إيران، واحتلالها استراتيجية فارسية لمحو التاريخ العربي على أرضها واستغلال خيراتها.

استمر الرفض العربي لسياسات التمييز العنصري وإفقار الأحواز في عهد ما يعرف بالجمهورية الإسلامية. وكانت أكبر الانتفاضات التي عرفتها منطقة الأحواز في عام (2005) ضد سياسة تهجير وإبعاد الكثير من العناصر العربية عن المنطقة. كما رصدت منظمة العفو الدولية في عام (2012) تعرض بعض أبناء الأحواز لمحاكمات جائرة “بسبب عملهم لصالح الأقلية العربية الأحوازية” وتوجيه تُهم غريبة إليهم مثل “العداء لله والفساد في الأرض”، وهي تُهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.

ويُعَدُّ التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية الصادر في عام (2022) عن الحريات وحالة الأقليات، خير دليل على استمرار النظام الإيراني في سياسة الاضطهاد العنصري ضد عرب الأحواز؛ إذ يذكر التقرير: “تعرض الأشخاص المنتمين إلى الأقليات العرقية مثل عرب الأحواز وغيرهم للتمييز المجحف الذي يحد من الفرص المتاحة أمامهم للتعليم والعمل وتولي المناصب السياسية، ورغم الدعوات المتكررة للتنوع اللغوي، فقد ظلت اللغة الفارسية هي اللغة الوحيدة للتعلم في المرحلة الابتدائية والثانوية”.

  1. إبراهيم العبيدي، الأحواز… أرض عربية سليبة (بغداد: دار الحرية، 1980).

 

  1. خير الله طلفاح، الأحواز العربية (بغداد: دار الحرية، 1982).

 

  1. عبدالكريم الجبوري، “رحالة إنكليزي يكتب عن عروبة الأحواز”، مجلة الدستور، ع. 26، لندن (1981).

 

  1. مصطفى النجار، التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897-1925م (القاهرة: دار المعارف، 1970).

 

  1. تقرير (امينيستي) منظمة العفو الدولية عن الحريات والأقليات لعام 2021- 2022.