قدوم خالد بن سعود من مصر

في سنة 1252هـ/1836م، قَدِمَ إسماعيل آغا مع خالد بن سعود الذي نقله إبراهيم باشا ضمن من نقلهم من آل سعود إلى مصر، وكان قدومُهم حملةً جديدة لإخضاع نجد، ومن ينبع تقدم إلى الحناكية، ومن جهة أخرى تقدم الإمام فيصل بن تركي بمشورة من خاصته إلى القصيم قبل وصول جيش محمد علي – ويلاحظ حرص الأسرة السعودية على المشاورة في كافة الأمور دومًا– وانتقل معه عدد كبير من رجال القبائل، وبعد تدارس الأحوال على أرض الواقع فضّل أن يعود إلى العارض، ثم بعد ذلك عسكر خارج الرياض، ولكنه توجه إلى الأحساء لتوجُّسِه وظل فيها إلى 1253هـ / 1837م .

أما خالد بن سعود فقد بقى مع إسماعيل آغا في القصيم، وبعدها توجها إلى الرياض ونزلا قصر الإمارة، وكاد أن يسيطر على النواحي الجنوبية كالحريق والحوطة وكان فيها أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذين رفضوا أن يكون وجودهم تحت حكم الأتراك، وأرسل إليهم خالد أن يدخلوا في طاعته، فكان ردهم قويًّا إذ قالوا: “إن كان الأمر لك ولا يأتينا أحد من عسكر الترك فنحن رعية لك، وإن كان الأمر للترك فنحن لهم محاربون”، واستشاط إسماعيل آغا غضبًا من ردهم هذا، وطلب من خالد أن يتوجه إليهم ويجازيهم بالقتل ونهب أموالهم، وهكذا حرص عسكر الدولة العثمانية على تجريد الآخرين من أي قوة تبقى بين أيديهم، وبلغت الأخبار أمير الحريق آنذاك تركي الهزاني ورؤساء الحوطة وكان آل الشيخ رؤساء للجميع لا يقدم أحد منهم على عمل إلا بمشورتهم ورأيهم.

المعارك بين الأتراك وأهل الحريق والحوطة

توجّه الجيش التركي بقيادة خالد بن سعود وإسماعيل آغا، يُريدان توجيه ضربة لمناطق جنوب الرياض، وكانت المشورة من الأدلَّاء معهم أن يقصدوا بلدة الحلوة ويحتلوها لضعف تحصينها، وإن وقعت يدب الرعب في باقي سكان تلك النواحي ويستسلموا، ولكن الخطة تغيرت واقتربوا من حرة قريبة من بلدة الحلوة، فاجتمع أهالي تلك المناطق وتمركزوا في المناطق المرتفعة وانقضّوا على جيش المرتزقة الترك، واستمر الاشتباك الدموي من الفجر إلى ما بعد الظهر حسب ما أخبر به المؤرخون، وبوصول أهل الحريق والحوطة مددًا لإخوانهم من أهل الحلوة، دافعوا دفاع الأبطال وانتهت الأحداث بالنصر، وهرب خالد بن سعود وإسماعيل آغا ومن تبعهم إلى الخرج ومنها إلى الرياض، وعندما شاعت أخبار هزيمتهم في نجد والأحساء وغيرهما خاف الباشا في مصر من رجوع دولة الوهابيين، وكان انكسار جيشهم وتشتته بدى واضحًا.

ولما علم الإمام فيصل بن تركي أسرع متوجهًا من الأحساء إلى الخرج، وكتب إلى أهل الحوطة والحريق والفرع والمشايخ في تلك النواحي فقدموا إليه وفي مقدمتهم الشيخ العلامة عبدالرحمن ابن حسن، وبعد تكامل العدد زحف الإمام إلى الرياض.

معركة المصانع وانتصار الإمام

عندما وصل الإمام إلى قرية المصانع جنوب الرياض، خرج خالد بن سعود مع جيشه من الترك، واشتبك الجيشان في قتال مرير انتهى بانتصار الإمام فيصل وهزيمة خالد بن سعود الذي لم يتمكن من العودة إلى الرياض، فلجأ إلى قرية منفوحة المجاورة للمصانع، فحاصرها الإمام زمنًا ثم استجاب لفك الحصار نزولاً على طلب أهلها في الصلح وعدم التعرض لأهلها ومن نزلها، تلك أخلاقيات الجيش السعودي، والجنوح إلى السلم أسلم، وتتوالى الأحداث ولها بقية.