الأخوان بربروسا وتغليب المصالح

يُمكن القول إنه من البداية، وجّهت الدولة العثمانية قراصنة البحار، وتعاونت معهم، والدليل على ذلك القرصانان عروج وخير الدين بارباروسا.

ونقل عروج بارباروسا نشاطه غربًا بعيدًا عن العثمانيين؛ لعدم الاصطدام بهم من ناحية، وكسب ودهم، ومن ناحية أخرى لتتبع السفن الأوروبية غربًا واصطيادها، وأقام له إمارة مستقلة في جزيرة “ِجربة” في تونس، ولكي يُضفي شرعية على أعماله دخل في خدمة باي/حاكم تونس، وأبدى شجاعة وحنكة في تصديه للعدوان الأوروبي على شمال إفريقيا، حتى استغاث به الجزائريون لإنقاذ ميناء “بجاية”، ذاك ما ذكره العديد من مؤرخي المغرب.

وبعد مصرع عروج بالقرب من مدينة تلمسان، أدرك خير الدين بارباروسا أنه أصبح قائدًا على قوة ضعفت كثيرًا عن ذي قبل، واتخذ إجراءات استغل من خلالها ما كانت عليه أحوال البلاد، بأن قرر باربروسا الانضواء تحت راية العثمانيين باعتبارهم “السادة الجدد”، فراسل سليم الأول سنة 1519م، وضمّن رسالته توسلات لربط قضية الجزائر بالعثمانيين، وأردفها بالتماسات من القضاة والفقهاء والأعيان، ومختلف الفئات في البلاد للباب العالي، وللسلطان بأن يضع الجزائر تحت تصرفه.

وبلغت حد أن وصفوا أنفسهم في تلك المراسلات أنهم سيصبحون عبيدًا للدولة العثمانية؛ إن قبلت حمايتهم، وهي رسالة كتبوها بأمر من خير الدين وليس من تلقاء أنفسهم، وختم رسالته بأنه كان ليتوجه بنفسه إلى إستانبول ليمثل بين يديّ السلطان، لولا توسُّل الجزائريين له -خير الدين- أن يبقى بينهم ليحمي بلادهم .

لم يكن سليم الأول ليتردد في تلقف الفرصة، فمن حيث لا يدري وجد قطاعًا كبيرًا من موانئ غرب المتوسط يفتح له ذراعيه بغير تكلفة، فأرسل لخير الدين تقليدًا على حكم الجزائر، وفرمانًا بتلقيبه بكلربك-وهو أرفع لقب لوالي عثماني-، وبعث له بألفيّ جندي من الانكشارية المرتزقة يساعدونه.

كل ذلك أتى على استقرار وأمن البلاد العربية في الشمال الإفريقي عامة، والمقابل تبادل المصالح المشتركة للسيطرة على البحار ، وكسب العلاقات الدولية مع أوروبا.

لقد كانت صفقة رابحة للطرفين، فخير الدين لم يعد قرصانًا أو محاربًا جوالًا يجوب البحار، بل صار واليًا وقائدًا عثمانيًّا، وفي المقابل العثمانيون ربحوا أرضًا بثمن لا يُذكَر، بل تعدى الأمر فعيّنوا خير الدين قائدًا لأسطولهم لاستغلال مواهبه ومهاراته رغم أن الأهالي في بداية الأمر اطمئنوا لبارباروسا، فطالبوا العثمانيين بتركه لحماية شمال إفريقيا؛ لشدة احتياج الجبهة لوجوده وقيادته، ولكن العثماني قدّم مصلحته على مصلحة الولاية.

نالت الدولة العثمانية السيادة على البحار وعلى الجزائر صفة اسمية، فصار غرب المتوسط مسرحًا للقتال بين العثمانيين وبين من تتخذه عدوًّا من العرب لمراعاة المصالح مع الدول المتصارعة في أوروبا .