
الحجر الأسود..
من بطحاء مكة الى ضريح سليمان القانوني!!
لطالما زعم “العثمانيون الجدد” ان السلاطين العثمانيين كانوا حماة الحرمين الشريفين، لكنهم يتغاضون كثيرا عن ذكر احداث جسام مرت بها المقدسات الاسلامية على ايدي السلاطين او عمالهم، من سرقة قطع من الحجر الأسود الى اخرها سرقة النفائس النبوية والاحتفاظ بها في متاحف إسطنبول، كما ان الثابت انه لا يوجد ما يثبت تفانيهم في عمارة الحرمين ، بل ان معظم ما في الحرمين الشريفين خلال ادارتهم لها، موروث من الدول الاموية والعباسية الايوبية والمملوكية، وما قاموا به لا يتعدى اعمال الصيانة عند وقوع الضرر فقط.
لكن السؤال الأبرز يقول: من اعطى السلاطين العثمانيين او ورثتهم حق الاحتفاظ بتلك المقدسات الاسلامية، وهي ليست في ملك احد بل هي ملك للمكان الشريف الذي انتزعت منه، فالنفائس والهدايا الثمينة التي سرقها فخري باشا ملك للحجرة النبوية، وقطع الحجر الأسود التي احتفظ بها السلطان سليمان القانوني هي ملك للكعبة المشرفة.
لا يمكن ان نجد تفسيرا او تبريرا لنقل اجزاء من الحجر الأسود إلى اسطنبول بالرغم من ان مكة المكرمة كانت تحت الإدارة العثمانية حينها، ولا يوجد مهدد او خطر عليها، ومع ذلك لم يعيدوا تلك الأجزاء التي سقطت من الركن الأسود، بل رحلوها إلى إسطنبول كما نقلوا الكثير من النفائس والهدايا من الحرمين الشريفين.
ولنفهم سلوك السلاطين العثمانيين وتقديمهم لأنفسهم على ما سواها، من المفيد التذكير بما فعله سليم الأول في القاهرة بعدما احتلها واستباحها إثر هزيمته للمماليك، فلم يتبق عمود رخامي ولا حجر ثمين ولا ارضية ولا سجاد ولا نفيسة من النفائس إلا واقتلعت من القصور والبيوت والمساجد القاهرية ونقلت إلى اسطنبول.
لقد فعل سليمان القانوني مع فعله سلفه سليم الاول فبرغم من قدسية الكعبة المشرفة ومكانتها الرفيعة في وجدان المسلمين، إلا انه اقر استخدام اجزاء من الحجر الأسود ووضعها على مسجد صقللي باشا، بل وأمر بالاحتفاظ بالقطعة الأكبر ووضعها على ضريحه بعد موته، هكذا قدم سليمان القانوني نفسه على الكعبة، وفضلها على الحرم المكي الشريف، ووضعها في منزلة اعلى منها، فلا تفسير لما فعله الا ان هواه غلبه وفضله على اقدس الاقداس.
وهنا يتأكد للمتابع او دارس التاريخ العثمانيين في الحرمين الشريفين كيف ان سلاطين بني عثمان يقدمون أنفسهم وهواها على اي مصلحة اخرى مهما كانت قدسيتها او مكانتها او حُرمتها عند الناس او في الشريعة الإسلامية نفسها.
لقد أباحوا لأنفسهم اخذ ما تطاله ايديهم ولو كان مقدسا، واعتبروا ان مكانتهم تعلوا اي مكانة ولا يرفض لها طلب او غاية، ولهاذا انتقلت قطع من الحجر الأسود من بطحاء مكة إلى ضريح السلطان سليمان القانوني، وضعت في أعلاه، كما وضعت بقية الأحجار على منبر ومداخل المسجد الصقلي.
وعلى الرغم من ممرور خمسة قرون تقريبا على حادثة سرقة قطع الحجر الأسود من الكعبة ، ونقلها إلى إسطنبول إلا ان العثمانيين لم يفكروا في اعادتها للكعبة، بل اعتبروها سلعة سياحية يروج عنها في كتيباتهم السياحية ويأخذون مقابل رؤيتها اموالا عند دخول السياح إلى المتاحف والمساجد والأضرحة التي تعرض بها.