الإخوان كأداة عثمانية:

ودورهم في تحقيق الأطروحات التركية في العالم العربي

كشف موقع “حبر أبيض” عن الأبعاد المخفية في التاريخ العثماني، موضحًا أهداف إعادة صياغته والأدوات المستخدمة لذلك، بالإضافة إلى نطاق انتشاره. وقد نجح الموقع في تسليط الضوء على مخاطر هذه الأجندات التي تستهدف بشكل رئيس العالم العربي، معتمدًا على أحد أخطر التنظيمات الناطقة باللغة العربية لاستغلالها في الانتشار الجماهيري والاختراق المؤسساتي، بهدف تأسيس كيانات تتبع إيديولوجيا للإخوان وسياسيًا لتركيا.

في هذا الإطار، رأى صانع القرار السياسي في إسطنبول أن التوسع والانتشار يبدأ من خلال توجيه القوة الناعمة، والتي تتضمن تنقية التاريخ العثماني الذي يغلب عليه الطابع المظلم. ومع ميل الشعوب والجماهير عامة للزعيم، أحاط العثمانيون سلاطينهم بهالة من التقديس والتنزيه، محاولين رفعهم إلى مستوى الخلافة الراشدة أو الخلافة على منهاج النبوة، عبر تطويع مشبوه لأحاديث السنة النبوية الشريفة.

في محاولتهم لإعادة صياغة التاريخ لخدمة مشاريعهم الإيديولوجية، ركز العثمانيون الجدد على مراكز قوة الدولة العثمانية، بدءًا من أرطغرل وصولًا إلى سلطانهم عبدالحميد الثاني. اجتهد هؤلاء في تمجيد مناقب السلاطين والتغاضي عن مثالبهم، ليصبحوا رموزًا يُحتذى بها، وكأن الأمة العربية لم تُنتج رموزًا يُشار إليهم بالبنان وتُدرَّس سيرهم.

ننتقل هنا لتناول أبرز سلاطين الدولة العثمانية بعد أرطغرل، ونبدأ بعثمان بن أرطغرل الذي يُوصف بأنه اتصف بالشجاعة والحكمة والإخلاص والصبر و”الجاذبية الإيمانية” والعدل والوفاء والتجرد. وعلى الرغم من أن عثمان لم يُلقب بالسلطان في حياته، فإن الإعلام التركي يطلق عليه “أبو الملوك السلطان الغازي فخر الدين قره عثمان خان الأول بن أرطغرل بن سليمان شاه”، ويعتبرونه المؤسس الأول للدولة العثمانية، رغم وجود تحفظات على هذا التصور بناءً على الوقائع التاريخية.

في السياق نفسه، يتجه أحد رموز التيار الإخواني، علي الصلابي، لوصف شخصية محمد الفاتح بالحزم والشجاعة والذكاء والعزيمة والإصرار والعدل والإخلاص والعلم، مشيرًا إلى أن محمد الفاتح نسب الفضل إلى الله، مما يعكس عمق إيمانه، وكأن الصلابي كان معاصرا له، يعيش معه في قصره، وكأنما كان من المرافقين له.

ووفق النهج ذاته، صُوِّرَ السلطان العثماني سليمان القانوني على أنه أعظم سلاطين الدولة العثمانية، وكتب حوله الكتب والمجلدات، ورفع إلى مرتبة أعلى من مستوى البشرية. وربما تملك هذا الاستعلاء النفسي والكبر السلطوي من السلطان سليمان نفسه، حيث يصف نفسه بقوله: “أنا عبد الله السلطان في ملك هذا العالم…جعلتني أمة محمد محبوب الرحمن…لذا فإني أقتدي بمعجزات محمد بفضل الله…أنا سليمان الذي قرأت الخطبة باسمي في الحرمين. أنا السلطان الذي يُسير السفن نحو بحر الفرنجة والمغرب والهند. أنا سلطان شاه بغداد والعراق وقيصر الرومان ومصر. أنا السلطان على التاج والعرش الذهبي لملك المجر. أنا السلطان في المروءة والإنصاف والإحسان إلى أصغر عبد”.

سليمان القانوني في الرواية العثمانية: بين التعظيم الذاتي ورفع الهالة فوق البشر

هذا الوصف يعكس الاستعلاء الذي اتصف به سلاطين الدولة العثمانية، وتضخيمه من قبل المؤرخين المتعثمنين حتى جعلوا المسلمين ينسون رموز صدر الإسلام ومن أدخل الأتراك في الإسلام. نختم بالحديث عن السلطان عبدالحميد الثاني، الذي يصفه العثمانيون الجدد بـ”السلطان المظلوم”، ويستميتون في الدفاع عنه. وذكر فيه الإخواني الصلابي أنه شرع في إصلاح الدولة وفق التعاليم الإسلامية لمنع التدخل الأوروبي، وحاول تطبيق الشريعة الإسلامية، وقاوم الاتجاهات الغربية المخالفة للحضارة الإسلامية، واهتم بفكرة الجامعة الإسلامية التي أثارت قلق الأوروبيين.

ولا يزال الإخوان يمثلون خنجر الأتراك العثمانيين في قلب الأوطان، حيث يلعبون دور الطابور الخامس ومعول هدم الحضارة العربية والإسلامية، مروجين للأطروحة العثمانية مقابل بعض الامتيازات، تتراوح بين الحماية والسعي للوصول إلى السلطة في البلدان العربية ولو تحت السيادة التركية.

  1. تامر بدر، “عثمان بن أرطغرل”، مقالة نشرت على موقع “تاريخ الإسلام” على الرابط عثمان بن أرطغرل – قادة لا تنسى – أعلامنا| قصة الإسلام (islamstory.com)

 

  1. فريدون أمجان، سليمان القانوني: سلطان البرين والبحرين(القاهرة: دار النيل للطباعة والنشر، 2014).

 

  1. علي الصلابي، الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط (بورسعيد: دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001).

 

  1. يلماز أوزتزنا، تاريخ الدولة العثمانية (إسطنبول: مؤسسة فيصل للتمويل، 1988).