توحش السلطان وبشاعة الجريمة

 تذخر الدولة العثمانية بسجل حافل ضد الإنسانية فعبر ستمائة سنة من سيطرتها على أجزاء كبيرة من قارتي آسيا وأوروبا، أذاقت ظلمها وتوحشها معظم تلك الشعوب التي وقعت تحت وطأتها، وعلى رأسهم العرب في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي، والشام ومصر، وشمال إفريقيا، والذين كان لهم نصيب كبير من تلك الجرائم والمذابح الوحشية التي لا يمكن أن تنسى، فالتاريخ دوّن بكل حيادية تلك الجرائم. وإن كان هناك من يحاول أن يفسّر تلك التصرفات الاجرامية بتفسيرات غير مقبولة أو قد يلتمس لهم الاعذار بأنها دولة الخلافة وحامية الحمى وإلى غير ذلك من هذا الكلام المستهلك؟! بل نجد البعض يمر على تلك الأحداث المأسوية مرور الكرام كأنها واقع حل ومر وانتهى!!، فالنماذج كثيرة جداً عن تلك الجرائم والمذابح التي لا تزال إلى الآن وصمة عار في جبين العثمانيين بحق الشعوب والأفراد، ومنها مذابح الأرمن التي تمَّت خلال فترة الحرب العالمية الأولى وغيرها مما لم تسلط عليه الأضواء.

وعندما نتطرق للأساليب والأدوات التي تفنن فيها بعض السلاطين والولاة في تنفيذ جرائمهم في حق أقرب الناس إليهم وصدورهم العظام ووزراءهم وغيرهم من خلال استعمال أسلوب الإغراق، وخيوط الحرير، والخوازيق، والخنق للقتل بلا رحمة ، ولعل الأخيرة  كانت من أبرز ما أستعمل بكثرة وفي فترة مبكرة من عهد الدولة العثمانية، فقد كانت لأولئك السلاطين فلسفتهم الخاصة في القتل الذي كان يتم خنقًا بوتر قوس، وهو موروث  قديم تركي مغولي حيث كانوا يؤمنون بأن آلهة السماء تستاء من إراقة الدم الملكي، فكانوا يحرصون على قتل أبناء الدم الملكي بغير إسالة دمائهم!! وبتتبع تاريخي لحالات القتل من قِبل أولئك السلاطين نجدهم أنهم قتلوا إخوتهم الذكور وأبناء إخوتهم، في عهد ما قبل “قانون نامه” فمثلا قام السلطان بايزيد الأول بقتل أخيه يعقوب لخشيته قوته وإقدامه، وأيضا محمد الفاتح ذُكِرَ عنه قتله لأخ رضيع اسمه أحمد، وإرجاع أمه الصربية لوالدها. وبعدها قام الفاتح بسَن قانونه المشار إليه، وجرت وقائع القتل عندما انقلب أبناء السلطان بايزيد الثاني على أبيهم، وتصارعوا فانتصر سليم الأول واستولى على العرش، ومات بايزيد الثاني في ظروف مريبة يفسرها البعض بأن ابنه سليم دس له السم. أما سليم فقد قتل شقيقيه المنافسين له خنقا، ثم قبض على خمسة من أبنائهم فأمر بقتلهم جميعا وقتل من أهل بيته قرابة سبعة عشرا فرداً. فالقتل كان عند سليم الأول من أسهل الأمور واهونها، فقد قتل سبعة من وزرائه لأسباب تافهة، حتى كان الأتراك يقولون:” من أراد الموت، فليكن وزيراً عند السلطان سليم”. وأما السلطان سليمان القانوني فلم يكن بأحسن حال من أبيه وذلك بأنه قتل خنقا ولده بايزيد وأعدم أربعة من أطفاله في مكان واحد. 

ويذكر المؤرخون أن السلطان سليم الثاني، أنه بعد وفاته وفي يوم دفنه خُنق أولاده الخمسة، خنقهم أخوهم مراد الذي تولى السلطة بعد أبيه. وأما مراد الثالث فبعد توليه السلطنة مباشرة، أمر بقتل إخوته الخمسة، بينما حقق السلطان محمد الثالث رقمًا قياسيًا في القتل والوحشية المفرطة حيث أمر بقتل تسعة عشر أخاً له غير الأخوات فتم خنقهم قبل أن يدفن أبيه ودفنوا معاً؟!!.  وأما السلطان عثمان الثاني بعد خلع أخيه مصطفى وتوليته سلطانًا أمر بقتل أخيه محمد أيضا.

وقد استمر أسلوب الخنق وكل ذلك من أجل الوصول لسدة الحكم على حساب رقاب اقرب الناس من الأخوة والابناء المظلومين دون جريرة ارتكبوها سواء أنهم إخوة السلطان أو أبناء إخوته، وهذا من الظلم الفادح الذي لم يسبق في التاريخ الإنساني إلا من قبل سلاطين بني عثمان،  فالظلم بلا ريب  ظلمات يوم القيامة، ولعل ذلك يؤكد حقيقة عدم أداء سلاطين القتل لفريضة من أعظم فرائض الإسلام ألا وهو الحج إلى بيت الله الحرام، فمن يتولى السلطة بالقتل والخنق ودس السم فلا ريب أنه لن يأمن على نفسه أن يلقى نفس المصير المحتوم الذي اسقاه الآخرين. بل في رأينا أنه أحد العوامل التي أدت إلى تداعي وانحلال عقد الدولة العثمانية وجعلها تمر بمراحل من الانحدار والضعف ثم الفشل السياسي والعسكري ثم النهاية والخروج من المشهد التاريخي.