صِدام

المانوية بعقائد متناقضة

كان المجوس من الفرس قد اختاروا النار ليعبدوها معجبين بلمعانها، وبُنِيت بيوت للنار في جهات متعددة منها نار طوس وأخرى في سجستان، وامتدت تلك الظاهرة إلى بلاد الروم وعلى أبواب القسطنطينية، واستمرت حتى أيام المهدي وقت العصر العباسي، في نفس الوقت ظهر أصحاب ماني بن فاتك الحكيم، الذي ظهر زمن سابور بن أردشير وأحدث دِينًا يمزج بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة عيسى -عليه السلام- ولا يقول بنبوة موسى -عليه السلام-، وذلك كما أورد الشهرستاني في كتابه “المِلل والنِحل”.

أما بالنسبة للمانوية التي تُنسب إلى “ماني” المولود في بابل، فهي خليط من العقائد البابلية القديمة والبوذية والزرادشتية والمسيحية، وتتلخص هذه الديانة في أن الإنسان خُلق من أصل رباني، وأن نجاته من الأذى والشرور تتوقف على فهمه نفْسَه وفهمه العالم المحيط به، وبإمكانه أن يقترب من الإنسانية الكاملة وأن يبلغ قِمَّتها إذا استطاع أن يُنزّه نفسه من العيوب والشرور.

كما تقول المانوية بالتناسخ، وترى أن الإنسان متى بلغ تلك المنزلة من التفاوت والإنسانية الكاملة كان مصيره الجنة إذا مات، أما إذا انصاع لشهواته وانقاد للشر فَسَتَحِلُّ روحه بعد موته في أجسام أخرى،  ولم تزل تنتقل من جسم إلى جسم حتى تُطَهَّرَ، وتلك كارثة الفكر الضال المنحرف المستمر إلى يومنا هذا في مسألة تناسخ الأرواح، ومن ثَمَّ يناسخون ما تميلُ إليه أهواؤهم ليُقَدِّمُوه حسب تَغَيُّر الزمان والمكان، لاعتقادهم أن ذلك يٌمكّنهم من السيطرة على العقول، وأقصر الطرق في تلويث العقائد وطمس الهوية هو التسلق على مسالك مختلفة باسم الأديان.

كما دعت المانوية إلى نوع من العرفان والزهد، والنزوع إلى معرفة الحقيقة، وتهدف فلسفتها إلى البحث عن حقيقة الإنسان وكيف جاء إلى الدنيا، وما أصله وماهيته، وإلى أين ينتهي به المطاف، وهي تقسم الوجود إلى ثلاثة أزمنة:

1| الزمان القائم- و به الخير و الشر منفكّان.

2| الزمان المتوسط- أي الحاضر- وقد اختلط فيه الخير بالشر.

3| الزمان القادم- المستقبل- وهو آخر الأزمنة حيث يعود التضاد إلى الانفصال مرة أخرى.

ومآل العالم -حسب رؤية ماني- إلى الفناء، وذلك لوجود قوى الخير والشر والنور والظُلْمة، وتكون نهاية العالم بنشوب حرب عالمية أو بنزول كارثة تدمر العالم وتقوّض أركانه، وتلك العقائد هي التي يتناوبون على تحقيقها للاستحواذ على الدول والعقول والتدمير، وتلك هي سياساتهم في الأعتاب المقدسة.

إنها فلسفة المانوية وعقيدتها، وقد ضمّتها عدة كتب مزينة بالصور، وأهم تلك الكتب ما عُرف باسم (أرژنك) وكتاب (شاپوركان) وهو الكتاب الوحيد الذي كتبه (ماني) باللغة البهلوية، وجاء ذكر ذلك في كتاب ابن النديم في الفهرست.

ويتوارث الفرس تلك الأفكار المنحرفة، ويبطنون حقدًا دفينًا على الإسلام والمسلمين الفاتحين، الذين كان لهم دور في دخول الإسلام وانتشاره في أراضيهم، وما الحقد إلا على العرب الذين اختار المولى -عز وجل- خاتم الأنبياء والمرسلين من بينهم، لذلك ظهرت حالات ولن أقول شخصيات وضعوا أنفسهم في خانة التقديس وقدّم أتباعهم لهم طقوس التأليه.

ما أشبه الليلة بالبارحة …….