جرائم اغتيال السلاطين

العثمانيين لرجال دولتهم ووزرائهم

لم يكن منصب الوزير الأول في السلطنة العثمانية ميزة بالرغم من كل مظاهر الابهة والمكانة الرفيعة التي تحيط به، لقد كان فخا كبيرا، فبدلا من ان ينشغل الوزير الأول بمهامه الأولى وهي إدارة شئون الدولة المترامية الأطراف والمختلفة الأعراق، يصبح مشغولا بإدارة الصراعات داخل الحرملك ومحاولته تفادي الوشايات وصولا الى مصير الموت الذي “يهيم” حوله ويكاد يتنفسه ليله ونهاره.

تقول الروايات التي رصدت عدد قتلى منصب الصدر الأعظم ان أكثر من 20 صدرا قتلوا بدم بارد وبأوامر مباشرة من السلاطين من بين 200 تولوا هذا المنصب، اما نفسوا عن غضبهم او حملوا الوزير اخطاءهم او حتى غيرة منهم، انه رقم كبير يدل على العقلية التي كانت تدير الحكم في السلطنة، وكيف تحل خلافاتها بالدم والقتل، إلا أن ذلك يمكن تفسيره ضمن اليات صراع الحكم في السلطنة العثمانية، الذي كان دائما ما يلجأ الى “الحل بالقتل” للأبناء والاباء والاخوة في صراعات الحكم  المريرة التي بدأت منذ ارطغرل وحتى السلطان عبد العزيز اخر سلاطين بني عثمان.

لقد عاش الصدر الأعظم في الدولة العثمانية حياة مليئة بالصراعات المتتالية والحروب التي لا تنتهي، بدء من الحرملك المليء بالزوجات والمحظيات والجواري، اللاتي حاولن استمالة الوزير الأول لتحقيق اغراضهن، او مكانة لهن ولأبنائهن أو للحصول على اكبر قدر ممكن من الامتيازات، وهو امر جرى أيضا  على المخصيين الذين تمتلئ بهم القصور، وسيكون الامر خطيرا جدا لو كان المخصي مقرب من السلطان ويحظى بعنايته، عندها يتقدم نفوذ المخصي على نفوذ الوزير الأول، وتصبح شهواته ورغباته متقدمة على واجبات وحقوق السلطنة نفسها، ولا ينتهي الامر عند ذلك فأمهات السلاطين، لهن مطالب وطموحات ويبدأن في محاولة استقطاب الصدر الأعظم الى جناحهن خاصة اذا خاضت الام معركة نفوذ ومحاولة تغيير أولياء العهود المعتادة في السلطنة.

ان اقرب ما يوصف به منصب الصدر الاعظم بانه “فخ يؤدي الى القتل”، لقد تحول الوزراء من رجال نافذين  ذوي مكانة رفيعة، الى ضحيا للصراعات واختلاف وجهات النظر بين اجنحة القصر، بل إن بعض السلاطين سمح للغيرة ان تنهش العلاقة بينه وبين وزيره الأول، ولعل اغتيال إبراهيم باشا  الوزير الأول عند السلطان سليمان القانوني تشرح ذلك، فبالرغم من ان الوشايات كانت تحيط بالصدر الأعظم إبراهيم باشا طوال فترة عمله لكنها لم ترق الى تهديد مكانته وصولا الى قتله كما غيره من الوزراء، الى أن دخلت الغريرة قلب  السلطان سليمان، اثر تمجيد السلطنة والرعايا لأعمال إبراهيم باشا العسكرية ونجاحاته المثيرة التي ذاع صيتها شرق السلطنة، ولأن إبراهيم باشا كان صاحب قرار – بينما يريد السلطان تابعين فقط-  يأخذ قرارات ارتجالية فورية تتطلبها ساحة المعركة دون العودة للسلطان الذي يعيش على بعد الالاف الكيلومترات، كل ذلك دفع بالسلطان لقتله فور عودته الى الآستانة.

لقد تحول السلاطين الى “اداريين سفاحين”، يحلون قضياهم ومشاكل دولتهم من خلال وشايات جواريهم ومخصييهم، ولا يحكمون عقولهم بل مشاعرهم، وهو امر لا يستقيم مع أمور الحكم، فالحاكم الرشيد هو من يقدم العفو والصفح على القتل، لكن السلطنة العثمانية قامت أساسا على الصراعات، فلا محالة ان ينتج عنها الاف الضحايا الذين كان مصيرهم الإغراق في البسفور، او الموت خنقا، او الرفع على الخوازيق، هكذا هي الإدارة في السلطنة العثمانية يصبح فيها الوزراء والولاة والامراء وأولياء العهود ضحيا وشايات القصور وصراع الاجنحة.