الناقد مصطفى الكيلاني لـ "حبر أبيض":
نحن سمحنا بتموقع الاستعمار التركي الدموي لمنطقتنا بترويج "دراما العصملي"
تتعالى نبرة الأسى في طرح الناقد الفني المصري مصطفى الكيلاني تجاه ما وصلت إليه الدراما العربية من تراجع في ظل تغلغل الدراما التركية في العالم العربي، لذلك بين الرأي العلمي في الطرح التاريخي، وبين ما يُترَجْم من الدراما التركية أو ما يجابهها من دراما عربية؛ يظهر الرأي الفني المتخصص الذي يتوافق مع الهم العام للمنطقة العربية.
مصطفى الكيلاني يقسو على الدراما العربية وداعميها بقوله: “يجب أن نعاقب أنفسنا، كصناع دراما، ومؤسسات إنتاج، حكومية وخاصة؛ بسبب سماحنا بعودة الاستعمار التركي الدموي لمنطقتنا، بعد أن فتحنا لهم الباب طواعية، عن طريق الدراما التركية، في بداية الألفية الثانية. فالمستعمر التركي لم يبذل أي مجهود في التموقع داخل بلادنا، سوى أنه قدم لنا مسلسلات، دعم وجودها غلمانه الذين زرعهم في القنوات العربية، سوقت لنا الحلم التركي”.
أبرز تحدياتنا في تصحيح وعي أجيال كاملة تُركت للدراما التركية تبعث بها.
وعن عدم استشعار الخطر يؤكد “كتبت عدة أقلام منذ بداية الألفية الثانية عن الغزو التركي، وقدمت وصفًا تفصيليًّا لما سيحدث بعدها، ولكن لا أحد استطاع أن يستوعب مدى الخطر المقبل، حتى أصبحت تركيا الآن تسيطر فكريًّا على شريحة كبيرة من العرب، وفعليًّا تتحرك في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان، وأصبحت على حدود بقية الدول العربية”.
ويشير الكيلاني إلى أن سوريا فتحت الباب أمام غزو تركي من خلال الدراما “عملت الدولة السورية ضد نفسها، لدرجة تجريم الحديث عن مذبحة الأرمن، من الأرمن السوريين، وسمحت بدخول المسلسلات من بوابتها إلى باقي الوطن العربي، وكانت هي أولى ضحايا ذلك الاستعمار. استُقْبِلت الأعمال التركية وكأنها المنقذة، فأوقفت القنوات الخليجية شراء المسلسل المصري لصالح التركي، وتوقفت بعض قنوات شمال إفريقيا عن الإنتاج وفتحت الباب لاستعمار أدمغتها، مع وجود ظهير «إسلامجي» يتغلغل في المجتمع ليطرح المستعمر التركي بديلاً عن الأوطان، ويقدم النموذج التركي بديلاً عن القيادة الوطنية”.
باعتراف التركية بيرين سات: الدراما التركية تشجع على تعنيف المرأة.
وعن الأجيال التي تربت على المسلسل التركي يؤكد الكيلاني “تخرج جماعات في مظاهرات وداخل صفحات التواصل الاجتماعي لكي تدعم المستعمر التركي ضد بلدها، بحجة ما أسموه “الخلافة الإسلامية”، وكأن الخلافة الراشدة كانت في تركيا، وكأنه لم تكن هناك خلافة في المدينة المنورة ودمشق وبغداد والقاهرة، ولا عجب في أنهم يحرفون القرآن والحديث لكي يثبتوا أن تركيا فقط تمثل الإسلام، ولا نستغرب أن هناك أجيالاً ستخرج فيما بعد لتحدثنا أن نبي الإسلام كان تركيًّا، مثلما يتحدث مجتمع السود في أمريكان أن النبي محمد كان من إفريقيا. وبعيدًا عن الخسارات في المجتمع العربي من تبعية الأدمغة لما تقدمه تركيا، فهناك مكاسب على الجانب الآخر، أهمها أن تركيا بلغت إيراداتها من بيع مسلسلاتها ما يقترب من مليار دولار عام 2020 من العرب فقط”.
ويشير إلى مقالة على أحد المواقع التابعة للحلف التركي أن الأعمال الدرامية التركية أدت إلى وصول عدد السائحين العرب إلى ما يزيد عن ثلاثة ملايين سائح عربي في العام، ومن الخليج وحده أكثر من مليون يزورون تركيا سنويًّا، حتى بعد المقاطعة، مازال هناك الكثيرون من مسلوبي العقل ممن يدعمون الاقتصاد العصملي والسياحة التركية. وبخلاف زيادة صادرات تركيا من الملابس والإكسسوارات في دول الشرق الأوسط، وافتتاح فروع كثيرة للماركات التركية في معظم الدول العربية بعد زيادة الإقبال الشعبي على ما يشاهدونه في المسلسلات والأفلام التركية، وتحول “العصملي” إلى علامة مهمة في “الموضة الإسلامية” التي اخترقت الأسواق العربية مؤخراً بالتزامن مع الغزو الدرامي.
وبحسب الكيلاني فإن “مسلسلات العصملي أدت أيضًا إلى إقبال المواطن العربي على اقتناء الأثاث الذي يشاهده فيها، ما أدى إلى زيادة واردات إحدى الدول العربية من الأثاث التركي من 81.2 مليون دولار عام (2013م) إلى 159.7 مليون دولار عام (2015م). ووصل الأمر بتأثير الدراما التركية إلى أن العرب أصبحوا يسمون أبناءهم بأسماء شخصيات المسلسلات، أو الممثلين الأتراك، وتناسوا تمامًا الجرائم التي ارتكبها الاستعمار التركي ضد المنطقة، وجعلها تتراجع أكثر من 1000 سنة في سلم التطور البشري، بعدما سحب منها كل الأدمغة الأطباء والمهندسين والعمال المهرة، لكي يبني مدنه ويعالج شعبه، وتعمد إفقار مستعمراته وتجهيلها.
الدراما المستوردة دعمت جيش الأطماع التركية في المنطقة العربية حسب رأي الناقد الفني، لذا يرى أنه يجب مواجهتها بقوة، وغلق كل الأبواب أمامها، سواء على القنوات أو في وسائل التواصل، وتقديم منتج من المسلسلات والأفلام يغطي جوع المواطن العربي لمنطقتي الرومانسية والبطولة، التي غلف العصملي رسائله المبطنة داخلها.
ويختم الكيلاني رأيه “لدينا الكثير من الأبطال العرب، وبدلاً من أن تُصرْفَ المليارات على تقديم منتج درامي ضعيف، علينا فتح الباب أمام دعم كامل لمنتج مصري سوري لبناني خليجي بمواصفات عالمية، وترويجه بكل الطرق، ولدينا مثال مسلسل “الاختيار” في مصر، لو صنعنا مسلسلات على مثاله من كل قطر عربي، لكان لدينا حصيلة كبرى تقف أمام الغزو الثقافي العصملي”.