يهود الشتات في مركز السلطنة العثمانية

تشير أول إحصائية عثمانية في خلال القرن التاسع عشر الميلادي، إلى أن اليهود كانوا موجودين باعتبارهم طائفة فاعلة في المجتمع، خاصة أن الهجرة اليهودية إلى الأناضول كان وراءها دوافع سياسية واقتصادية، إضافة إلى فكر روحي ديني رحّب به سلاطين الأتراك.

ووجد اليهود في الدولة العثمانية المكان الأمين، وأسفرت سياسة الإصلاحات التركية والقوانين الجديدة التي سنّها السلاطين في تلك الحقبة، لتحديد وضع الطوائف، ومنهم الطائفة اليهودية، ويُلاحظ أنهم باتوا يُنعتون بيهود الدولة، وأصبح لهم ارتباطٌ واضحٌ بالهيئات الحكومية والقضائية العثمانية التي وفَّرت لهم الشعور بالأمن والاستقرار.  

ويذكر الكاتب صموئيل اتينجر، في كتابه اليهود في البلدان العربية، أن أعدادًا كبيرة من اليهود حصلت على قدر كبير من التعليم والثقافة، ونتج عن ذلك ظهور فئة جديدة من الشباب اليهودي الذي بدأ التفكير في الصهيونية العالمية لاحقًا في رأيي.

أما من ناحية أخرى، فقد أصبحت أوضاع اليهود الاقتصادية في الدولة العثمانية ذات ثِقلٍ خاص، وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بات لهم تأثير على حركة الاقتصاد نفسها، خاصة في مدينة سلانيك، وكان عددهم نحو 75 ألف يهودي.

وذكرت السجلات العثمانية أن اليهود شكّلوا ما يُقدّر بـ10% من سكان مدينة أزمير، كما ازداد تمركزهم فيها بسبب الثورة اليونانية وحرب البلقان، وعاشوا بحرية تحت رعاية القنصليات الأجنبية، ومن ثمَّ ظهر الكثير من حِدة التنافس الاقتصادي بينهم وبين العثمانيين، مما أسفر في نهاية الأمر إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وكانت الدولة تعتمد في اقتصادها على رفع الضرائب وجمعها من الدول العربية بقوة الباشوات وولاتها.

بقي أن نذكر بأن هناك طبقة من الأثرياء اليهود في الدولة العثمانية، غالبيتهم اعتمدوا على تأسيس مشروعات مع اليهود المهاجرين، وهنا أمر يُستغرب وهو هجرة أعداد من اليهود الأتراك، للإقامة في الجانب الغربي من الولايات المتحدة الأميركية.

وبحسب ما يذكره صموئيل اتينجر، فإن بعض اليهود ساعدوا المتمردين في ثورة كريت وبلغاريا، وكانوا سببًا في إثقال الدولة العثمانية بالديون، وأكد على ذلك رفيق شاكر النتشة في كتابه، السلطان عبدالحميد الثاني وفلسطين.

وذكر الحاخام يوسف فارتس -وهو عالم جغرافيا يهودي هاجر من ألمانيا إلى الدولة العثمانية- تلك الفترة بقوله: “إن الوضع السائد في هذه الحقبة طيب للغاية، وينعم اليهود المقيمون في الدولة بالهدوء والاستقرار”.