عقيدة قتل الإخوة:

شهادة مغربية تفضح حقيقة العثمانيين الدموية

في شهادة تاريخية مهمة تحتاج إلى أن تُعرض من قبل مؤرخين منصفين، تتناول التاريخ بأمانة وتجرد. وإذا كان بعض المتأسلمين قد جرحوا في مجموعة من الكتابات، التي فضحت التاريخ الأسود للعثمانيين، بدعوى أن أصحابها أعداء للسلطنة أو متآمرون على الخلافة الإسلامية، فإن صاحب الشهادة التاريخية بريء من هذا الجرح، فلا هو عاداهم ولا ظاهر على عدائهم. وإنما هو شخص عاصر الأحداث، وكان شاهد عيان، ورصد لنا صورا من داخل السلطنة ووقائع كان شاهدا عليها. هذه الشهادة تُعدُّ ضربة قاصمة لجميع المتعثمنين والمتأخونين، لأنها حجة ودليل يسمو على باقي الأُحجيات التي أتى بها من ركبوا، ولو متأخرين، صهوة “الخلافة العثمانية”.

علي بن محمد التمكروتي المغربي، ولد بمنطقة تمكروت (ضواحي مدينة زاكورة المغربية) سنة 941 هـ / 1534 م، وتوفي سنة 1003هـ / 1594 م، من أسرة عالمة ومصلحة، وكان مدرسا بزاوية تمكروت. لكن، ما علاقته بقتل الأمراء من بني عثمان؟.

أصل الحكاية:

سنة 997ه أمر السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي التمكروتي بالمثول بين يديه في قصره ودار ملكه بمدينة فاس، من أجل مهمة لم تكشف عنها مراسلة التشريفات السلطانية. ليدخل علي التمكروتي مدينة فاس في أحد أيام الثلاثاء 25 جمادى الأولى من نفس السنة، ويمثل بين يدي السلطان الذي كلفه بالانضمام إلى السفارة المتوجهة إلى إسطنبول قصد حمل هدايا ورسالة إلى السلطان العثماني مراد الثالث.

قام التمكروتي برصد جميع المظاهر التي رافقت رحلة الذهاب والعودة من المغرب إلى إسطنبول، ودوَّن جميع مشاهداته وملاحظاته في كتاب أُطلق عليه “النَفحة المِسكية في السِفارة التركية” لسنة 1589م. ونعتقد أننا في حاجة إلى الوقوف عند هذه الوثيقة التاريخية والاكتفاء بها بالنظر إلى قوتها وموقع صاحبها الذي رأى ما كتبه رأي العين فكان الراوي والشاهد الأمين على ما وقع في تلك الأزمان فوق أرض بني عثمان.

يقول التمكروتي عن إسطنبول: “وهذه المدينة واسعة جدا مُسورة كثيرة الأبواب والعمارة والمساجد والجوامع والأسواق والحمامات والفنادق. وهي قاعدة بلاد الروم وكرسي مملكتهم ومدينة قيصر. وما زال من بها من المسلمين اليوم ينتسبون إلى الروم ويحبون هذه النسبة ويوثرونها، حتى الخط الجيد عندهم يقولون خط رومي”.

ونقطة البحث في رحلة التمكروتي، والمرتبطة بظاهرة قتل الإخوة بعد وفاة السلطان الوالد، وذلك من أجل تفادي الصراع على السلطة بين الأبناء، وهو ما نص عليه قانون نامه الذي خطه السلطان محمد الفاتح. وهنا نجد التمكروتي يقول: “وحتى إخوة سلطانهم إذا مات والدهم أخفى الوزير موته وبعث إلى المدينة التي يكون بها ولي العهد، فيقدم المدينة ليلا ويدخل من باب البحر فيقتل جميع إخوته تلك الليلة حتى الحوامل من نساء والده، ولا يؤخرهن حتى يلدن، ويخرجهم غداً مع والده مكفنين ويدفنونهم. فينفرد بالملك بغير منازع ولا مشوش، كذلك دأبهم”.

هي إذا شهادة حية وقرينة مادية قاطعة تنسف جميع الأطروحات العثمانية والتي حاولت تبرئة العثمانيين من هذه الجريمة التي لم ينص عليه دين سماوي ولا قبل بها قانون وضعي، لتنفرد بها سلالة آل عثمان. ولعل شهادة التمكروتي تعطي المصداقية لحملة التصفيات بين أبناء سلاطين الدولة العثمانية وحتى في علاقتهم بالسلطان الوالد، وهو ما وثقته مجموعة من الكتابات العثمانية والغربية.

التمكروتي كان ملمًا بأصول الدين وبعلم الحديث، ولذلك لم يفته تناول حديث فتح القسطنطينية والتعليق عليه، ليخلص إلى أن فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح ليس هو الفتح الذي بشر به الرسول عليه الصلاة والسلام، فيقول: “وقسطنطينية مدينة عظيمة قاهرة من أعظم مدن الدنيا وأشهرها. وكفى في شهرتها إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بها في عدة أحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. وهي المراد بمدينة قيصر، غزاها يزيد بن معاوية في خلافة أبيه. وفي تلك الغزوة توفي أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ورحلوا عنها ولم يفتحوها، وجعل أيضا صلى الله عليه وسلم فتحها من علامات قرب قيام الساعة وأخبر به”.

شهادة التمكروتي تشكل ضربة تاريخية قاصمة لأطروحة المتعثمنين ومن والاهم من المتأسلمين.

ويمكن القول بأن شهادة التمكروتي تعتبر أقوى شهادة تاريخية، اطلعنا عليها، على اعتبار أن هذا العلامة كان شاهد عيان على أحوال بني عثمان، ولعل تلكم كانت علة ومناط تكليفه من طرف السلطان المغربي أحمد المنصور الذهبي، حيث قدم لنا وصفًا لأحوال الحكم والعمران والعادات والتقاليد وطبيعة التدين التركي، وهو ما يجعلنا نطمئن إلى شهادته ونرتاح إلى ما توصلنا إليه من خلال الأبحاث، والتي تؤكد على موضوعية الطرح وعلمية البحث وأمانة النقل والتوثيق.

  1. أحمد آق كوندز، سعيد أوزتورك: الدولة العثمانية المجهولة، أستانبول، 2008.

 

  1. أكمل الدين إحسان أوغلي: الدولة العثمانية، تاريخ وحضارة، المجلد الأول، أستانبول، 1999.

 

  1. برنارد لويس: أستنبول وحضارة الخلافة الإسلامية، تعريب: سيد رضوان عليّ، الرياض، 1982.

 

  1. علي بن محمد التمكروتي “النفحة المسكية في السفارة التركية”، حقق لها وقدم لها محمد الصالحي (المغرب)، دار السويدي للنشر والتوزيع، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى 2007م.