الحرب العظمى وعبدالعزيز

كانت الحرب العظمى الأولى -وهذه تسمية الكثير من المؤرخين لها- قد اندلع لهيبها سنة 1914م، ووصل تأثيرها إلى الجزيرة العربية. وكان الملك عبدالعزيز – طيّب الله ثراه – أبعد أمراء الجزيرة نظراً وأكثرهم صوابًا وسدادًا في الرأي الذي أدلى به للأمراء لمواجهة الموقف وعدم الدخول في أحداثها.

كتب إليهم جميعاً كالشريف حسين وابن رشيد وشيخ الكويت ودعاهم إلى عقد اجتماع عربي لتحديد موقف العرب تجاه الاضطرابات الدولية ولتكون كلمتهم واحدة للدفاع عن حقوقهم إذا ما اُعتدى عليها، ولكن الأمراء لم يهتموا بالموضوع ولم يعروا نداءه أي التفات بل تحالف كلٌ منهم تحالفًا انفراديًّا، فابن رشيد انضم إلى الترك والشريف حسين وشيخ الكويت تحالفا مع الإنجليز .

كان الجميع يدرك مدى أهمية وقوة دخول الملك عبدالعزيز إلى جانب من الجوانب، رغم أنه لا زال يجمع شتات البلاد ويوحدها لذلك اجتمع لديه مندوب من قِبل الإنجليز وهو الملازم شكسبير  وقد سبق له الاجتماع به في العقير مع الوكيل السياسي البريطاني. ووفد من قبل الأتراك ورئيسه السيد شكري الألوسي وقد أكرم ابن سعود تلك الوفود ثم صرفهم وردهم ردًّا كريمًا واختار لبلاده – بصائب رأيه – ما رآه حسنًا وهو الحياد في أمر الأتراك فلم يحارب الحسين، ولم يحارب الأتراك كما شاء الإنجليز . واجتمع مندوب الملك عبدالعزيز بالشريف عبدالله بن الحسين على الحدود وكان مندوبًا من قبل والده للنظر في الأحوال المستجدة التي تهم الطرفين، وانتهى الاجتماع دون جدوى.

ببقاء الملك عبدالعزيز على الحياد، وتَمَكُّنه من أن القضاء على ما تبقى من فلول الأتراك، وفي خِضَمِّ الأحداث وصل إليه السير برسي كوكس واجتمع به في جزيرة دارين المقابلة للقطيف وانتهى الاجتماع بعقد أول معاهدة بين ابن سعود وبريطانيا عُرفت بمعاهدة القطيف. وما يلفت الانتباه في هذا اللقاء هو العرض الذي قدمه برسي كوكس وهو الخلافة الإسلامية على البطل عبدالعزيز آل سعود والذي بدوره رفضها رفضًا تامًّا، وإن دل ذلك على دلائل فإنما يدل على الترفع عن مد السيطرة بالقوة وعدم الرغبة في التسلط على الشعوب، وحفظ حقوقهم وسيادتهم على أراضيهم .

لقد وقعت أنواع من التعديات على الملك عبدالعزيز وعلى جنوده لا مجال لذكرها، وتجاوز عن الكثير منها حتى يتمكن من جمع الجميع على كلمة سواء تدعو للاستقرار.

ولكن من أبرز الأحداث على سبيل المثال لا الحصر بعد انقضاء الحرب العالمية – العظمى –  الأولى كان مؤتمر العقير الذي أُعيد فيه النظر في خلافات وبروز علاقات دولية مع الجِوار ومن تلك الخلافات الخلاف الواقع بين ابن سعود والشريف حسين، وابن سعود والعراق والأردن ومسألة الحدود بين العراق ونجد وبين نجد والكويت. وقد حضر المؤتمر السلطان عبدالعزيز – وذلك اللقب كان قبل توحيد البلاد باسم المملكة العربية السعودية وتلقبه بملك – وحضر السير برسي كوكس، وكان السلطان غاضبًا عنه لأنه يأوي العصاة. وعقدت عدة اجتماعات بينهما وتمَكَّنَا من الوصول إلى اتفاق على الحدود، وتنازل السلطان – رحمه الله – عن بعض القبائل التي كان لها دور في عدم استقرار المنطقة في نجد وما حولها، وطالب أن تكون قريات الملح تابعة للجوف أي لنجد فوافق كوكس وانتهى المؤتمر بتلك القرارات.

لقد تعرض الملك عبدالعزيز نتيجة تحويل شعبه من حال إلى حال أفضل، ومن طور إلى طور آخر بطرق حكيمة تدريجية مراعيًا في ذلك المتغيرات السياسية والظروف والأوقات المناسبة لأخطار جسيمة تم تجاوزها بصبر الحكيم، ناهيك عن المجازر التي تعرض لها العرب باضطهاد مُتَعَمَّد من باشوات الدولة العثمانية بقيادة جمال باشا وأتباعه ابتداء من شعبان 1333هـ /  يونيو 1914م .