مظالم الكرد..
بين العثمانيين الأسلاف.. والعثمانيين الجدد!!
الشعب الكردي في وجوده ونضاله من أجل الحياة، يمثل حالة إنسانية فريدة من نوعها، فهو من الشعوب القليلة التي تقطعت بهم سبل التاريخ، وتوزعت معاناتهم بين ثلاث دول؛ تركيا، والعراق، وإيران.
لقد ضحى هذا الشعب بما فيه الكفاية وحان الوقت أن يأخذ حقه؛ كونهم أمة عظيمة، ساهمت في صنع الحضارة الإسلامية، وقدَّمت الشهداء والقادة، بل أسست الدولة الأيوبية التي كان لها مساهمتها في التصدي للحروب الصليبية، والحفاظ على المنطقة من الاستباحة الصليبية التي شنها عليها ملوك الطوائف الأوروبية.
بلا شك فإن الشعب الكردي ليس طارئًا على الإقليم، وليس عبئًا عليه كما يحاول أن يصوره الأتراك، وهو عرق أصيل متفرد بحد ذاته، ولم يكن يومًا جزءًا من النسيج العرقي للأتراك حتى يمكنهم إذابته وتهميش مطالبه وحقوقه.
يقْطُنُ هذه المنطقة من العالم أكثر من 30 مليون كردي لم يهبطوا من المريخ، بل هم شعب أصيل، نبت في المنطقة بين غرب إيران إلى البحر الأبيض المتوسط، ومن شمال سوريا حتى آخر الأناضول وسط تركيا.
النضال الكردي من أجل الحياة والحصول على الحد الأدنى من حقوقهم من المحتلين الأتراك، طويل ومستمر، فالأكراد من الأمم القليلة في العالم التي لاتزال تحت الاحتلال ولم تحصل على استقلالها وحق تقرير المصير، وهي جزء من معاناة شعب جذوره ضاربة في أعماق الشرق قبل الوصول التركي بآلاف السنين، بينما العرق التركي الإيغوري القادم من شرق آسيا جاء مهاجرًا إلى أراضي الكرد في ديار بكر والأناضول، واحتلها مدعيًا حقه فيها، ومنشئًا إمبراطوريته على حساب الأكراد.
ومع نهايات الدولة العثمانيّة، بدأت أول انتفاضة كردية واضحة المعالم ضد الاحتلال التركي العثماني سنة 1880م، مطالبة بحقوقها، ثم تلتها انتفاضات أصغر لكنها تبنَّت تلك المطالب المشروعة، حتى تفاقم الصراع مع ولادة الجمهوريّة التركيّة على يد مصطفى كمال أتاتورك وحتى اليوم.
تولى المناضل الكردي الشيخ سعيد بيران العام 1924م رئاسة جمعية آزادي الكردية التي أنشأت حركة تحرر ضد الحكم التركي للحصول على حقوقهم القومية، التي جاءت بعد الصعود الكبير للعنصرية التركية التي مجدت العرق التركي وتبنَّت العداء للشعوب والأعراق الأخرى خاصة العرب والأرمن والكرد، وقادت الحكومة التركية حملة شاملة لاستئصال النضال الكردي أدى إلى قتل وتشريد وتهجير العائلات المناضلة، وتمزيق شمل الأبرياء في الجنوب التركي حيث يعيش معظم الأكراد.
قاد الشيخ سعيد الكردي حركته الشعبية، التي شملت 14 ولاية، مثلت معظم الأراضي الكردية جنوب شرقي تركيا، شارك فيها نحو 600 ألف كردي – حسب كثير من المصادر- أما الروايات الكردية فقد أكدت مشاركة الكثير ممن آمنوا بمشروع التحرر ضد الاحتلال التركي من الشركس والعرب والأرمن والآشوريين.
لم يتوقف القمع التركي للأكراد فقد وضعهم في مرتبة أدنى من الأتراك وسحق وجودهم، إلا أن مجموعة صغيرة من المناضلين الأكراد في العام 1973م تحت قيادة الزعيم عبد الله أوجلان أصدرت إعلانًا قوميًّا يؤكد الحفاظ على الهوية الكردية في تركيا، وقررت المجموعة في 1974م بدء حملة من أجل حقوق شعبهم.
تعمّق الخلاف مع الأتراك مع انطلاق حزب العمال الكردستاني العام 1978م، الذي حمل على عاتقه مسألة النضال ضد الاحتلال التركي، وخلال فترة الصراع الطويلة، عاش كرد تركيا فترة مظلمة وقاتمة، قوامها القمع والترهيب والصهر والإنكار والتذويب العرقي في القوميّة التركيّة، وصلت إلى حد إجبار الكرد على التنكّر لأصلهم ولغتهم وثقافتهم وهويّتهم القوميّة.
وإذا كان لنا أن نُلَخِّص معاناة الشعب الكردي فيمكن أن نقول:
إن أتراك اليوم ليسوا بأفضل من أسلافهم العثمانيين، لقد شنت الحكومات التركية “العثمانية” منذ احتلالهم للديار الكردية عمليات إبادة عسكرية منظمة ضد الشعب الكردي، خاصة في مناطق ديار بكر المعزولة عن العالم، والتي تطبق فيها أحكام عسكرية وقمعية لم يستخدمها أي محتل.
ومن تلك الإجراءات الظالمة التي فرضها المحتل التركي مع الشعب الكردي، منع استخدام اللغة الكردية، وحظر مظاهر الهوية الكردية، وإلغاء التراث والرقصات والأعياد والمناسبات الكردية، إضافة إلى سجن الزعماء البارزين وتهجيرهم من ديارهم الأصلية، ومنعهم من الحركة ونقلهم إلى مدن تركية شمالية، إضافة إلى حرمان الأكراد من الوظائف العامة الحساسة.