حقد السياسة ضد دعوة ودولة
لقد كانت السياسة واستخدام القوة لتغليب المصالح هي لغة العصر، وكانت الأحوال سيئة في زمن حكم الدولة العثمانية، وإهمال شديد عانى منه سكان الجزيرة العربية خاصة وسكان الوطن العربي والإسلامي عامة من تمزق في الوحدة السياسية وانعدام الأمن، وفيما يخص ذلك ذكر كرد علي وكان قد نشأ في مجتمع يعادي الدعوة الإسلامية في نجد، وكان من يكتُب عنها آنذاك بإنصاف يُمَثِّلون به ليكون عبرة لغيره.
ولكنه كتب كتابة المُنصف للأحداث، فيقول: “فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنًا من أركان الدين، ويفهم عقلاً من سياستهم: أنه إذا فُقد القاتل والسارق والناهب، فأي سبب يمنع عموم الناس من الاشتغال بالزراعة والتجارة … إلى أن يقول: وإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا يسرقون ولا ينهبون ولا يقتلون، فكأن المسألة شبيهة بالدورية، أي أنه متى وُجد الأمان ارتفع السارق والقاتل لاشتغالهم بمعاشهم الحلال، ومتى اشتغلوا بالحلال وُجد الأمان، ولكن هذا الدور منفك الجهة – أي منعدم – ورغم ما يذكره ضد الدعوة في كتاباته إلا أنه اعطى تصورًا في مواضع متعددة في مقاله الذي كان بعنوان “أصل الوهابية” كتب فيه عن أحوال سيئة باتت في المجتمع ظاهرة.
ويقول في موضع آخر: ومن محاسن الوهابيين أنهم أماتوا البدع ومحوها ومن محاسنهم أنهم أمنوا البلاد التي ملكوها، وصار كل ما كان تحت حكمهم من هذه البراري والقفار يسلكها الرجل وحده على حمار بلا خفر خاصة بين الحرمين الشريفين، ومنعوا غزو الأعراب بعضهم على بعض وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم من حضرموت إلى الشام كأنهم إخوان رجل واحد، إلى أن يقول: إلى أن انعدم هذا الشر في زمان ابن سعود “ولقد كان الناس يحاولون الصمود أمام كل تلك الأحداث، والحديث عن ذلك يحتاج الكثير، لكن فيما يخص الدعوة الإسلامية في نجد فعندما وصلت أخبار انتشار الدعوة الإسلامية في نجد إلى السلطان العثماني آنذاك محمود الأول وكثف جهوده حول القضاء على الدولة السعودية الأولى ومعها الدعوة الإسلامية بإرسال قوات بقيادة إبراهيم باشا لمحو آثار الدولة والدعوة، وإعادة الحجاز إلى الدولة، كذلك أرسل رسائل إلى أمير مكة يستفسر ويأمر بأوامر متعددة، أرسل رسالة مفادها: “لقد ظهر شخص سيء المذهب في العُيينة وهي إحدى قرى نجد في جهة الشرق وقام بإصدار اجتهادات باطلة ومخالفة للمذاهب الأربعة ونشر الضلالة والترغيب بها.
وبناء على إعلامكم إيانا واقتراحكم السابق فإن عليكم المبادرة إلى زجر المفسد المذكور وأتباعه وتهديدهم بمقتضى الشرع المطهر وإمالتهم إلى طريق الصواب، أما إذا أصروا على معلنتهم -أي ما أعلنوه- فإن عليكم إقامة الحدود الإلهية الواجبة شرعا وتنفيذها، وقد أصدرت إليكم يا شريف مكة المشار إليه أمري هذا خطابًا، ولما كنتم قد أبلغتم الدولة العلية في كتبكم الواردة إلى دار السعادة (إسطنبول) بحاجتكم إلى الإمدادات والمعونات بسبب تمكن الملحد -نلاحظ هنا كيف وَصَف الشيخ محمد بن عبدالوهاب واتهمه بالإلحاد والعياذ بالله وهذه هي السلطنة العثمانية ونظرتها إلى الدعوة- من كسب سكان تلك المناطق إلى جانبه بكل الحيل – تهمة أخرى وهم بذلك يحاولون نفي صفة العالِمِية عن الشيخ وقد تلقى العلم داخل نجد وخارجها.
ولا أَدَلُّ على ذلك مما ثبت من رحلاته في طلب العلم – إذ لم يعد ممكنا التقرب من تلك الأطراف فإن التقاعس بخصوص هذا الشخص المذكور (محمد بن عبد الوهاب) سيؤدي إلى ظهور حاجة إلى قوات أكثر عددا لمحاربته. لقد صدر الأمر السلطاني بخصوص سيركم ضد الشخص المذكور واستئصاله. وأن إيذاءهم بسيف الشريعة وتطهير الأراضي المقدسة (منهم) يعدُّ عقوبة لهم وواجبا يفرضه الدين، ولأجل تسديد مصاريف رواتب ومؤن العساكر الذين ستقومون بتسجيلهم لهذه المهمة فقد أنعمت عليكم بمبلغ 25 كيسًا روميًّا من الأقجات – اسم العملة آنذاك – من إرسالية مصر لسنة 1163هـ… ومصدر المعلومات السالفة الذكر: (أرشيف رئاسة الوزراء – وثائق الداخلية تصنيف جودت – الرقم 6716 أواسط شوال 1164هـ)”. (عن هامش أشراف مكة المكرمة ص179-180) وتلك حقائق حفظها التاريخ وبأيديهم كُتبت.