العثمانيون الغُزاة سنة (1812)

حفروا الخنادق عبر البقيع، وأطلقوا المدافع على الأبرياء في المدينة المنورة

بعد الهزيمة المريرة والمُهينة التي تلقَّاها الجيش العثماني بقيادة طوسون باشا في وادي الصفراء عام (1812) أمام قوات الدولة السعودية الأولى، بدأ طوسون بتحضير حملة كبيرة، وطلب من والده محمد علي الوالي العثماني في مصر إمدادات إضافية حتى يستطيع هزيمة جيش السعوديين، واللحاق بهم إلى المدينة المنورة، ومن ثم الانتقام منهم، ومن القبائل التي تحالفت معهم ودانت بالولاء لهم.

جاءت الإمدادات على عجل عن طريق البحر بقيادة أحمد بونابرت، ومعه الجنود والمدافع والأموال الطائلة، بجيشٍ كبير جُهِّز بمعدات لا قِبَل للسعوديين بها، وما أن وصلت القوات العثمانية الإضافية إلى ينبع حتى تحركت إلى المدينة المنورة، واستولت بطريقها على وادي الصفراء وقُراه وبلدان أخرى، ويذكر المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار” قصصًا مروِّعة عن الانتقام الذي قام به العثمانيون في حق أبناء تلك القرى بسبب ولائهم لدولتهم السعودية الأولى.

انتقامًا لهزيمتهم في وادي الصفراء أرهَبوا أهالي المدينة المنورة ولم يأبهوا لحُرمتها.

لم تكن الهزيمة المريرة في وادي الصفراء لتمر هكذا، فقد عزم العثمانيون على معاقبة المدينة المنورة وساكنيها؛ إذ تم حصارها أشد حصار دون مراعاة لحُرمتها، ولا قداستها، ولا حرمة ساكنها عليه الصلاة والسلام.

الجيش العثماني لم يكتفِ بالأعمال العسكرية، بل ذهب إلى النهب والسرقة والانتقام من المدنيين العُزَّل، حين قام بفرض حصار قاسٍ على المدينة، مانعًا عنها الطعام والماء، بعد أن نُصِبت عليها المدافع بقنابلها المُدَمِّرة، غير مُبالِين بالمدنيين الأبرياء من كبار ونساء وأطفال.

الممرات العثمانية عبر رُفاة الصحابة في البقيع:

بعد أن استعصت المدينة المنورة على القوات العثمانية بأسوارها وقوة تحصينها، أمر قائد الحملة طوسون وأحمد بونابرت قواتهما بحفر سراديب تحت أسوار المدينة من جهة البقيع، دون مراعاةٍ لمكانتها واحتوائها على رفاة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من ناحية قلعة البلد، وجعلوا فيها البارود، وأشعلوا النيران فانهارت الأسوار، واندفعت القوات العثمانية بعسكرها وخيولها على من كان فيها، وقد كان بالمدينة المنورة حامية سعودية مشكلة من مقاتلين من جميع البلدان السعودية، وضعهم فيها إمام الدولة السعودية الأولى سعود بن عبد العزيز أثناء عودته من الحج،  بعدما علم عن مخطَّط العثمانيين لغزو المدينة المنورة، وقُدِّرت تلك القوة بسبعة آلاف من المقاتلين ممن يُسمَّون “قوات الرباط”، وذلك تحسبًا من هجوم عثماني محتمل على المدينة.

خلال المعركة الطاحنة فُتحت أبواب المدينة، فانكسرت القوات السعودية المرابطة فيها، وانهارت صفوفهم، وكثُر القتل فيهم عند فجوة السور المنهار، وبسبب عدم تكافؤ الجيشين والمعدات الحديثة التي كان يمتلكها الجيش العثماني، انحصر المرابطون السعوديون إلى قلعة المدينة المحصَّنة، لتُلاحِقهم قوات طوسون باشا، وتبدأ في ضرب القلعة بالمدافع، حتى طلب من كان فيها المصالحة بعد فترة من الحصار، فأنزَلوهم منها بالأمان على أن يغادروا المدينة، فغادروها بعد شهر من بدء المعركة التي امتدت من منتصف شهر شوال إلى منتصف ذي القعدة من العام الهجري (1227هـ)، وقد مات بعد خروجهم كثير منهم جوعًا ومرضًا، وقد قُدِّرت خسائر الحامية السعودية بأربعة آلاف قتيل، جُلُّهم من أهل عسير وبيشة والحجاز وجنوبه وأهل نجد، كما تم أسر حاكم المدينة المنورة المُعين من قِبَل الإمام؛ الفارس سعود بن مضيان، وأُعدم في إسطنبول.

  1. إبراهيم بن عيسى، تاريخ ابن عيسى، تحقيق ودراسة: أحمد البسام (الرياض: الناشر المتميز، 2019).
  2. فيلكس مانجان، تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية، ترجمة: محمد خير البقاعي (الرياض: دارة الملك عبد العزيز، 2003).
  3. عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، تحقيق: عبد الرحيم عبد الرحمن (القاهرة: دار الكتب المصرية، 1997).
  4. منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية: الدولة السعودية الأولى، ط2 (الرياض: مطابع دار الشبل، 1993).