الانكشارية وألعوبة العزل والقتل
أصبحت الحكومة العثمانية ألعوبة في أيدي الانكشارية ينصبون الوزراء ويعزلونهم بحسب أهوائهم، فعزلوا داود باشا وهو الذي قام بقتل السلطان عثمان الثاني بعد بضعة أيام من تنفيذ ، وذلك إجراء طبيعي منهم لأنهم لا يأمنون على أنفسهم من أياً من كان ، وصاروا يمنحون المناصب لمن يجزل إليهم العطايا، فكانت الوظائف تُبَاع جهارًا، وارتكبوا أنواع المظالم في القسطنطينية. ولما بلغ خبر قتل السلطان إلى الولاة وانتشرت بينهم أخبار الفوضى السائدة في الآستانة وَسْوَسَ لهم إبليس الطمع فأطاعوه، وسرى في عروقهم شيطان الغواية فاتبعوه، فأشهر والي طرابلس الشام استقلاله وطرد الانكشارية من ولايته، واقتفى أثره والي أرضروم المدعو أباظة باشا مدَّعيًا أنه يريد الانتقام للمرحوم السلطان عثمان شهيد الانكشارية، وسار بمن تبعه إلى سيواس وأنقرة ففتحهما مصادرًا التزامات الانكشارية وإقطاعاتهم قاتلًا كل من وقع في مخالبه من هذه الفئة التي تلوَّثت بدم سلالة سلاطينهم، وتبعه والي سيواس وسنجق قره شهر. ثم سار إلى مدينة بورصة فحاصرها ودخلها بعد ثلاثة أشهر إلا قلعتها فلم تسلم.
ومن النماذج والأفعال التي بطش فيها الانكشارية واستباحوا كل ما يمكن استباحته هو التعدي الصارخ على سلطان الدولة العثمانية عثمان الثاني ، والمعروف بـ عثمان الشاب حكم من عام 1618 – 1622 م .
وكان ذنبه أنه أراد أن يجدد الجيش ويقتلع المرتزقة منه ، ولكنه لم يفلح لاستشرائهم وتغلغلهم في مفاصل الدولة . واعتبره المؤرخون أول سلطان عثماني يموت مقتولاً نتيجة ثورة الانكشارية . واتفقوا على عزل السلطان ، وأعادوا مكانه السلطان مصطفى الأوَّل بعدما قاموا بخلعه ثم اعادوه .
ولم يكتفوا بعزله ، بل هجموا عليه في سرايه وانتهكوا حرمتها، وقبضوا عليه بين جواريه وزوجاته وقادوه قهرًا إلى ثكناتهم موسعيه سبًّا وشتمًا وإهانة مما لم يسبق له مثيل في تاريخ دولتنا العلية. وزيادة على ذلك أنهم نقلوه من هناك إلى القلعة المعروفة بذات السبع قلل «يدي قله» حيث كان بانتظاره كل ممن يدعى داود باشا وعمر باشا الكيخيا وقلندر أوغلي وغيرهم؛ فأعدموا السلطان عثمان شنقاً .
وبعد تأكدهم من موته عثمان تم قطع أذنه وتقديمها لحليمة سلطان والسلطان مصطفى الأول لتأكيد وفاته ولم يعد مصطفى بحاجة للخوف من ابن اخوه.
هو الخليفةُ عثمان الثاني بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل. وُلِد بإستانبول سنة 1013 ولَمَّا توفي والده أحمد الأول لم يتولى لصِغرِ سِنِّه ، وكان أخاه مصطفى الأول هو المرشح للسلطنة ، لكن الانكشارية بعد ثلاثة أشهر ، وجاء عزله لمصالح متعددة لقيادات في الدولة ، ومنهم المفتي وآغا السراي ، وكان الجهة المنفذة هي الانكشارية ، واذا ما عُرفت الأسباب يندى لها الجبين ومنها اختلافهم مع السلطان على توزيع الهبات ومقدارها ، وهذه عادة بعد أن يتولى السلطان يوزعها . وكان مكانه السلطان عثمان الثاني ، وفي بداية حكمه أمر بإطلاق سفير فرنسا وأرسل مندوبًا لملك فرنسا يعتذر عما حصل من الإهانة لممثله وأشهر الحرب ضد بولونيا ، وكان الانتصار له صدى للدولة وللسلطان الشاب ولم يكن حاسباً حساب للانكشارية وسطوتهم عندما قرر إصدار أمر بأن تحدد صلاحيات مفتي الدولة ، ومنها عدم استطاعة تعيين وعزل موظفي الدولة ، وان يقعد للفتوى فقط . وكان من ضمن قراراته معاقبة من حاولوا انتصار الدولة في حربها من الانكشارية واعتبرهم فقرر أن يقطع عليهم سطوتهم الباغية في الدولة، وكان لقراره تكوين جيش جديد ، وأن يكون قوامه من شرق الدولة وبلاد العرب ، وبدء في تنفيذ ما أقدم عليه ، وعندما علمت الانكشارية بذلك ، اتفقوا على عزل السلطان ، وتم لهم ثم قتلوه .
وكانت مدة حكمه أربع سنوات وأربعة أشهر، وأعادوا مكانه عمه السلطان مصطفى الأول المخلوع سابقاً الى أن يتدبروا أمرهم بغيره ان لم يكن ألعوبة في أيديهم.