"رحلة ناصر خسرو وتشويه صورة العرب في الأدب الفارسي"

عند الحديث عن رحلة ناصر خسرو في كتابه الشهير “سفر نامة”، الذي يعد من الأعمال الأدبية الكلاسيكية التي ظهرت في القرن الرابع الهجري/الحادي عشر الميلادي، لابد من الإشارة إلى أمرين مهمين؛ أولهما الحالة السياسية التي شهدها الجزء الشرقي من الدولة الإسلامية (إيران والعراق والشام) وظروف كتابة تلك الرحلة، والأمر الآخر شخصية ناصر خسرو وتكوينها العلمي والعملي. فلو نظرنا وقلبنا صحائف التاريخ لوجدنا أن الدولة الإسلامية في تلك الفترة  التاريخية كانت تعيش حالة من الاضطراب السياسي الشديد بسبب ضعف مركز الخليفة العباسي في بغداد من جهة ومن جهة أخرى حالة التشظي والانقسام السياسي الكبير في شرق مركز الخلافة، وظهور عدد من الدول الكثيرة فيها عاشت حالة من انقسام السلطات وتوسع بعضها على حساب الآخر، وأعظم من ذلك كله حالة الفوضى الفكرية والعقدية وانتشار الفرق الإسلامية المختلفة فيها، والتي كانت تموج بالفتن والبدع والانحرافات وكل فرقة من تلك الفرق ترى أنها على  الحق المبين والطريق المستقيم، فكانوا ينشدون الحقيقة ولكنهم كانوا بعيدين كل البعد عن الصواب والواقع كان يمثله  بيت الشعر الشهير:

                          وكل يدعي وصلاً بليلى … وليلى لا تقر لهم بذاكا

في خضم تلك الأجواء المضطربة من الناحية السياسية والتغيرات الفكرية والثقافية نشأ ” ناصر خسرو القباداني: “الذي شغل عدة مناصب في الدولة الغزنوية وبعد تبدل الأحوال السياسية في تلك البقعة الجغرافية ونجاح السلاجقة في القضاء على معظم الدويلات الشرقية وتوحيدها تحت سلطتهم، التحق خسرو بحاكم خراسان مدة من الزمن، وهو كسائر الناس آنذاك حائرًا في معرفة المذهب الحق، فاطلع على علوم الفلسفة وناقش آراء الفارابي وابن سينا، ونظر حوله فوجد هذا الخلاف قائمًا فحاول الوصول إلى الحقيقة، فسلك في ذلك من الطرق ما استطاع سلوكه. ورجع إلى القرآن الكريم وكتب الأحاديث ورجع إلى التوراة والإنجيل، بل كتب مذاهب الهنود بلغتها الأصلية، وأطال النظر في الأفستا والزند فست واتصل بعلماء الأديان من المسلمين والنصارى واليهود والهندوس والمجوس والصابئة وناقشهم في المسائل التي لم يهتد إلى رأي فيها، فالشك على ما يبدو كان رائده ومع ذلك عده كثيرٌ من الباحثين منتسباً إلى الإسماعيلية في وقت كان فيه دعاة الشيعة الإسماعيليون ناشطين في عهده.

وأما عن رحلته التي دامت قرابة سبع سنوات فقد تجوَّل في جزيرة العرب ومرَّ بأقاليمها من الحجاز، ومرورًا بنجد ثم الأحساء ومنها إلى البصرة، فالرحلة لم تكن تسجيلاً تاريخيًّا للمدن والمواطن التي زارها؛ بل كانت له تعليقات وتلميحات وجهها ضد العرب بوصفهم في أثناء عودته من مكة باللصوص والمجرمين الذين يتقاتلون فيما بينهم. ومن ذلك وصفه لنظام الخفارة في الطرق البرية بقوله: “ومكثنا أيامًا ننتقل من يد خفير من قبيلة عربية ليد آخر كأننا سلع وقد كان الخطر يكمن في كل خطوة خطوناها في هذه البوادي الموحشة .. ثم عبرنا ذلك المكان العجيب فكان الخفار لا يرون ضبا إلا قتلوه وأكلوه ثم شربوا ألبان الجمال .. أما أنا فلم أستطع أكل الضباب ولا شرب ألبان الإبل”، وفي مقطع آخر يقول فيه: “وقد أخبرني أحد رجال القبائل أنهم في حياتهم كلها لم يشربوا سوى حليب النوق لقد كانوا جوعى، جاهلين عراة، كل من جاء ليصلي كان يأتي بسيفه وبترسه، وكأن ذلك أمر طبيعي..”، ويصف العرب بقول آخر: “لقد رأيت من أعراب هذه المواقع من يمر عليه العام كله ولا يقربون الماء إلى أجسادهم .. ورأيت بعض الأعراب في بادية العرب هذه لا يعرفون الماء .. فهم يشربون ألبان الإبل ويغتسلون بأبوالها وكل ما سألت عن ماء أجابوني إذا رأيت ماء فدلنا عليه، وبعضهم لم ير الحمام في حياته ولم يشاهد الماء الجاري..”.

والواقع أن في كلام ناصر خسرو كثيرًا من التناقض، ولولا تلك الخفارة لما استطاع أن ينجو من الصحراء الموحشة من دون دليل أو خفير يحميه من الأعداء سواء من البشر أو الهوام، وأما أكل الضب وشرب ألبان النوق فهو أمر لم يعتد عليه الفرس،  وخسرو كان يدرك شظف العيش في البوادي، حيث لا ماء ولا أنهار تجري، فمقارنتها بغيرها من البلدان ذات الأنهار الجارية والماء الوفير فيه نوع من عدم المصداقية في الطرح ونقل الحقائق، وانطباعاته لم تأت من فراغ، فالنظرة  الاستعلائية ضد العرب متوارثة  عبر الأجيال  في بلاد فارس والصورة النمطية هي هي لم تتغير وتتبدل لدى العنصر الفارسي.