"أكراد الدولة العثمانية بين التعاون والتمرُّد تاريخ يتجدد"

تحتفظ الذاكرة الكردية بالكثير من سجلات العلاقات المتباينة مع الدولة العثمانية، التي تراوحت ما بين التعاون والوفاق تارة أو التمرد والثورات تارة أخرى وذلك لأسباب كثيرة مختلفة. فمثلا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين كانت العلاقة شبه توافقية يسودها التعاون بين الطرفين مع وجود بعض الشوائب التي تنقض مثل تلك الحالة التوافقية، ولعل سبب ذلك يعود إلى ظروف تلك المرحلة التاريخية التي كانت تعصف بالمنطقة بصفة عامة، مما جعل من الأراضي الكردية مسرحًا للعمليات الحربية للدولة العثمانية ضد نظيرتها الصفوية.

ويذكر ” شرف خان البدليسي ” وهو أحد المؤرخين المعاصرين لتلك المرحلة في كتابه “الشرفنامة”: “بأن الإمارات الكردية في العهد العثماني كانت تحكم نفسها بنفسها فالضفة اليسرى من نهر الفرات الغربي وجميع مناطق الضفة الشرقية من نهر “مراد صو” أحد فروع الفرات كانت تحت حكم الإمارات الكردية. وكان الأكراد يقدمون الطاعة والهدايا للسلطان ويقومون بالأعمال التي يطلبها السلاطين منهم ويقدمون الجيوش الاحتياطية عندما يكونون بحاجة إليها”، ولا شك أن ذلك الأمر كان خلال المرحلة التوافقية للأكراد مع الدولة العثمانية.

على أن القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين شهدا حدوث تغييرات مهمة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب الأزمات التي واجهتها الدولة العثمانية في الداخل والخارج، نتيجة الانكسارات في الحروب الطويلة التي خاضتها الإمبراطورية العثمانية أدى إلى تخريب النظام الإداري والاقتصادي والقضائي والاجتماعي للدولة، فقد تمخض عن ذلك القلاقل الداخلية، واشتعلت الحروب الطويلة في الجبهات الخارجية، ترتب على ذلك حالة من الركود الاقتصادي  الذي أثر سلبًا عليى طبقات وشعوب الدولة العثمانية بشدة، بما فيها الإمارات والعشائر الكردية، التي انتقلت بدورها من حالة الوفاق إلى حالة التمرد والثورات بسبب السياسات المجحفة المتبعة ضدها من قبل السلطات العثمانية، فحدثت كثير من تمردات العشائر الكردية ضد الآستانة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ما واجهته عشيرة الملّلي الكردية من مواقف متشددة ضدها من الحكومة العثمانية، إذ أمرت بنقلها قسرا من مناطقها في ديار بكر إلى مناطق بعيده جدًّا عن مناطق نفوذها وموطنها الأصلي لهو دليل على انتهاء تلك الفترة التوافقية، ولقد حاولت تلك العشيرة الكردية أكثر من مرة العودة إلى موطنها الأصلي إلا أنها كانت تواجه بالحديد والنار والمزيد من التشدد، وبذا كانت محاولاتها تبوء بالفشل وتذهب أدراج الرياح. ولم تكتف الدولة بهذا الأسلوب فقط بل استخدمت أساليب أخرى أكثر تأثيرًا وإيلامًا من خلال تمزيق الصفوف الداخلية للإمارات والعشائر الكردية ألا وهي سياسة فَرِّق تَسُد. وهي من السياسات الناجعة استخدمتها الدولة العثمانية مع الإمارات الكردية للحد من طموحاتهم وحركاتهم المضادة للسلطات العثمانية. وظلت الدولة تستخدم هذا الأسلوب مع الإمارات والعشائر الكردية في العهود اللاحقة. ومن ينظر إلى الواقع المعاصر يجد أن الأساليب هي هي لم تتغير وإنما تغيرت الحكومات وأصبحت  بلباس عصري مدني مع بقاء الصور المعتمة في الزوايا البعيدة؟