
غياب الرؤية الاستراتيجيَّة لقادة الدولة العثمانية
انتاج الاحتلال في العالم العربي.. سليم الاول نموذجا!!
هل كان العالم العربي في حاجة الى حكم جديد إثر اجتياح جيوش السلطان العثماني ” سليم الأول” لبلادهم؟؟ فقد كان المماليك يحكمون الشام ومصر، وكان عرب الجزيرة العربية يعيشون حالة سكون ولا يريدون محتل جديد يعيد انتاج نفس الاستبداد والإهمال، لقد كان العرب في تلك الأقاليم تواقون لحكم أنفسهم بأنفسهم إثر معاناتهم لقرون من النزاعات، وهو ما حصل لاحقا في الجزيرة العربة على يدي الإمام محمد بن سعود عندما أسس أول “إمامة” عربية خالصة في الجزيرة العربية منذ ارتحال العاصمة الاسلامية من المدينة المنورة الى الكوفة.
ما فعله سليم الأول في نهاية الامر كان استبدال الخريطة العثمانية التي خسرتها إثر هزيمتها اما الجيش الفرنسي والاسباني في اوروبا بخريطة أخرى جنوبا وتحديدا في ” العالم العربي”، مستغلا الفراغ الذي تركه المماليك، وعدم وجود دولة عربية واحدة قادرة على التصدي للأطماع العثمانية.
لم يتعامل سليم الأول وجيوشه مع “اخوتهم في الإسلام” كما كان يفترض، بل ان المجازر المروعة التي ارتكبت في العراق والشام ومصر، تشير الى ان العثماني لم ير في البلاد العربية الا مغانم وشعوبا مأسورة عليها الانخراط في مشروعه الاحتلالي او سيكون مصيرها المشانق والخوازيق.
ولعل المجازر التي ارتكبت في حق مكونات اجتماعية كان قدرها ان تعيش تحت الإدارة العثمانية في عهد سليم الأول، تشير بوضوح للنهج الذي استخدمه السلطان في إدارة دولته القائم على القتل والترويع، وهو إرث انتقل بعد ذلك مع السلاطين العثمانيين في تعاملهم مع الشعوب التي قدر لها ان تعيش تحت الاحتلال التركي.
لم يكن عند سليم الأول استراتيجية حكم واضحة للتعامل مع جيرانه العرب الذين أصبحوا فجأة تحت احتلاله، فكل ما فعله انه جلس على عرشه في إسطنبول وادار جيشه من الغرب الى الجنوب، ثم أطلق أيدي انكشاريته للتعامل مع العرب المدنيين غير المسلحين، محولا البلاد العربية الى مجرد حصالة كبيرة للغلات والاموال تتم مصادرتها وجلبها الى العاصمة العثمانية “إسطنبول” التي كانت عبارة عن ثقب اسود لا يشبع من الأموال والضرائب، تلبية لحياة البذخ والمجون والغنى التي عاشها السلاطين.
الية الحكم المستبدة التي اتبعها سليم الأول مع العالم العربي اثر سقوط الشام ومصر ثم الجزيرة العربية تحت احتلاله لم تأت من فراغ بل كنتيجة طبيعية لتنشئة قامت في أساسها على الاستبداد وسلوك عنيف اتخذه طريقا في الوصول للحكم أولاً.
لقد وصف سليم الأول بانه “مستبد بالحكم، سفاكا للدماء”، بدء من حياكته للمؤامرات ضد اخوته، -ومنهم ولي العهد الذي كان يفترض ان يتولى السلطنة- ووالده السلطان، ثم انتقاله الى قتل إخوته تباعا ثم اشتراكه في مؤامرة مع الإنكشارية ضد والده السلطان بايزيد وصولا الى خلعه وقتله، وليس انتهاء باختطاف الخليفة العباسي من القاهرة، وجلبه الى إسطنبول ثم اجباره على التنازل عن الخلافة لصالحه دون وجه حق.
ما سبق يعطينا إضاءات سريعة عن اهم ما فعله السلطان سليم الأول، والتي لا تتجاوز هدم الخلافة العباسية الثانية، ثم تزوير ما يسمى بالخلافة العثمانية، واستبدال احتلال العثمانيين لأجزاء من اوروبا باحتلاله للأراضي العربية وسفكه دماء أهلها واستنزافه لثرواتها.