البحر الأدنى

يقابل البحر الأدنى في التاريخ القديم البحر الأعلى – البحر الأبيض المتوسط – فما المقصود بالأدنى، وهو مياه الخليج وقد سمى الكثير من الجغرافيين هذا الخليج بتسميات متعددة بناء على مشاهدات، وأحوال التغيرات، وبمرور الأزمنة، تَلَبَّسَ الفرس بحالة مفادها إطلاق تسمية مياه البحر من الجهة الشرقية لشبه الجزيرة العربية بالخليج الفارسي!!

وأطلق كثير من الجغرافيين والمؤرخين اسم الخليج العربي، منذ القِدم ومنهم المؤرخ الروماني بليني (ت 113م) وقبله سترابون (ت 19م).

وللخليج العربي مسميات أخرى مثل “خليج البصرة”، و”خليج القطيف”. ولكن تلك التسميات جاءت متأخرة، ولأسباب بشرية ولغوية اُطلق عليه “الخليج العربي”، فمن الناحية الجغرافية فإن السواحل الغربية والشمالية للخليج جزء لا يتجزأ من الجزيرة العربية، أما سواحله الشرقية فهي جزء من منطقة السواد، لا يفصلها فاصل طبيعي عائق عن سهل العراق الجنوبي. بينما يفصلها عن بلاد فارس. تلك الكتلة الجبلية المعروفة باسم جبال زاجروس التي جعلت بين الفرس والخليج ذلك الحاجز الطبيعي الذي منعهم من ركوب البحر، وما سيستغربه البعض إن لم يكن الأغلب أن الفرس لم يركبوا البحر في تاريخهم القديم والوسيط وإن كان قد أنشأوا أسطولاً كان بحارته في غالبيتهم من العرب.

ومن الناحية التاريخية فإن إقليم الخليج كافة من شواطئه الشرقيَّة والشماليَّةِ والغربِيَّةِ تعرضت إلى نفس العوامل والمؤثرات التاريخيَّة تقريبًا.

ومن ناحية البشر ولغتهم فالمنطقة سكنها العرب في جميع أطرافها ويتحدثون لغتهم بطبيعة الحال وتلك مدلولات بَدَهِيَّة، وما جرى تداوله في الكتب بأنه الخليج الفارسي كان خطأً جرى تناقله بين الكتَّاب، ولكن صحح الخطأ من كتبوا بتوثيق تاريخي. ومن الذين كتبوا وأكدوا خطأ التسمية بالخليج الفارسي الرحالة كارستن نيبور الذي زار المنطقة في عام 1762م، وأصدر كتابه “رحلات في الجزيرة العربية وبلدان شرقية أخرى”. وكذلك رودريك أوين الإنجليزي، في كتابه “الفقاعة الذهبية” عام 1957م، وأرنولد ويلسون وكتابه عن الخليج..

إن أبعاد الخليج العربي وحدوده منذ العصور الوسطى واضحة المعالم، فهو الجناح الشرقي للبلدان العربية كالعراق والأحواز والسواحل الشرقية للخليج ففيها البحرين وعمان، اللتين تُعدان الحد الفاصل بين بلدان المسلمين بعد انتشار الإسلام بين العرب ومناطقهم، وبين من دخل في الإسلام من بلدان غير العرب.

ويُعَدُّ الخليج العربي بحكم من يتجاور في سكانه من جميع جهاته الأصلية والفرعية، الممر المائي الذي يؤدي بوصول التجارة العربية وغيرها إلى بلاد الهند وإلى أوروبا من جهة أخرى. وتلك تُعَدُّ الحدود الجنوبية بين العالم الإسلامي والعالم العربي من جهة الخليج. وإن لم يُكثر الجغرافيون والمؤرخون من الكتابة في تحديد معالم أكثر دقة في الفصل بين بلاد العرب وبلاد الفرس؛ لأن أرض الواقع تؤكد ذلك حتى العصور الوسطى في تاريخ الدول الإسلامية، والامتداد للعرب في الجهة الشمالية للخليج المتمثل في وجود عرب الأحواز، وهو تداخل بيئي طَبَعِيٌّ وتداخل منطقة السواد الممتدة من بلاد العراق، ووجود جبال البختيارية التي هي جزء من جبال زاجروس كحد طبيعي بين بلاد فارس وبلاد العرب.

وتُعَدُّ مدينة بيان آخر إقليم الأحواز غربًا، بينما تُعَدُّ مدينة عابدان آخر إقليم العراق شرقًا، لقد كان التحرك العربي، منذ القدم وجاء الإسلام فحمل إليهم أمر نشر الدين، ولكن الحنق الفارسي القديم المتجدد، جعل منهم وحوشًا تأكل ما حولها وتحرقه، مدعية أن ذلك جزءٌ من تاريخ شعبها وأرضه، ويبقى التاريخ شاهداً على أرض الواقع مهما أُخفيت معالمها.